آخر الأخبار

قندقجي والناشف قدموا بحوثا لندوة السلع (١٩)

راصد الإخباري :  

الاردن - راصد
كتب عبدالله الحميدي

اخذت منصة السلع في قراءة اوراق العمل بعد افتتاح الندوة (١٩)

وقدم للندوة (١٥) عضوا اوراق عمل بحثية حول عنوانها " الكاتب واثره المجتمعي"، للندوة التي افتتحها الوزير السابق د.صلاح جرار 

وكتبت الاديبة هبه قندقجي من دمشق، ورقتها حول الموضوع تاليا نص البحث

يعد الوعي ركيزة من ركائز تقدم أي مجتمع وتطوره, بل وله دوره الكبير والرئيس في استقرار المجتمع والنهوض به, وذلك بالرفع من شأن أفراده, كما يشكل الوعي خطوة مهمة في تطوير الذات, وخلق الإنسان المبدع المثقف المتفهم وبالتالي الواعي الذي يساهم في بناء المجتمع وتطوره .
وقد أثبتت تجارب المجتمعات أن الكيانات الواعية من المثقفين والمبدعين لهم دور الجسر الواصل بين السلطة والشعوب, وبين مجريات الواقع داخلياً وخارجياً وروح الشعوب, ففي كل عمليات الحفاظ على المجتمعات أو تغيير المجتمعات يعتمد الحفاظ والتغيير غالباً على وعي المثقفين والمبدعين في شتى المجالات, لتأثيرهم كأكبر قوة ناعمة مؤثرة على المجتمع تخاطب القلب والعقل معاً, وتضع بصمتها المؤثرة سلباً كانت أو إيجاباً ..

لذا فإن المثقف والمبدع الواعي هو صوت الأمم ولسان حال شعوبها والعين التي يرى من خلالها المجتمع ما يحدث في العالم من مجريات وأخطار, بكافة أشكالها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ولهذا فإن الشخص الواعي بمثابة صمام الأمان لمجتمعه, حين يبصر ويحلل ويوضح الحقائق وينبه وينوه إلى المخاطر, وحين يصبح هذا الصمام محصناً بالوعي والأمانة والصدق والإخلاص يبقى المجتمع آمناً من أي مستغل أو طامع أو غزو فكري أو ثقافي يهدم بنيانه ويفتت كيانه.

أما النوع الذي تحتاجه المجتمعات فهو الذي يبني المجتمع, صاحب القضية الحقيقة ذاك الشخص الفاعل المتأثر بقضايا المجتمع لسان حال الشعوب ووعي الأمم ونبراس الحق والعدل الذي يسعى جاهداً لبناء مجتمع, مستنير بوعي ورساله وأمانة مدركاً حجم المسئولية التي وقعت على كاهله, وأن لقب مثقف أو مبدع إنما هو لقب مسئولية لا تشريف وأنه يحمل في رقبته أمانه وعي ومصير وذاك النوع المنشود لا يصيبه اليأس من التناقضات الموجودة, بل يستمر في طرح الأفكار والنقد البناء والرفض لاي تجاوزات سياسية أو مجتمعيه ومحاربة أي سلوك عدائي, وأي آفة فكرية تصيب ثقافة ووعي المجتمعات, تتملكه الغيرة على الاوطان والشعوب ويحارب أي آفة فكرية تصيب ثقافة مجتمعه, وأي قرار سياسي يضر بمصالح الشعوب, يقدم المصلحة العامة للشعوب علي مصلحته الخاصه, ولربما يدفع الغالي والنفيس في المقابل دون أي عائد شخصي عليه, سوى أنه صاحب رسالة صادقة يحمل أمانه في رقبته وهموم مجتمع يتألم من أجله, وتقع جميعها على كاهله, فالمجتمعات والأمم لاتبني بالتمني والخديعة وإنما تبني بالإرادة الحقيقة والضمائر التي تدفع للبناء بالعقل والعمل بصدق ووعي وأمانة وإخلاص .

تظل العملية الإبداعية فى حقيقتها عملية تأسيسية تأخذ منطلقها من الواقع ــ مهما كان نوعه ــ باعتباره مرجعية أساسية ومنطلقا بديهيا، كما تستمر فى نسج بنياتها وشبكاتها فى الآفاق التى يستشرفها المُبدع باعتباره صاحب ملكة شعرية، وباعتباره الناطق باسم الوعى الجماهيرى فى المجتمع الذى ينتمى إليه، وباعتباره ثالثا حاملا لرؤية أو رؤى ومستندا إلى مرجعية ثقافية ومخزون فكرى، فهو ليس ذلك المتزهد الذى ينزوى إلى عمق ديره أو صومعته، وينعزل عن المجتمع بكل تطوراته ليسلك مسلك الصوفى فى نزعاته الوجدانية وشطحاته الفكرية، بل هو جزء لا يتجزأ من واقع متحول وديناميكى فى تركيبته لا يهدأ بل يشارك فى كل ما يمس وجدان الأمة سواء أكان على الصعيد الوطنى أم العربى أم العالَمى بإنسانيته الشمولية. فالشعر إذن هو ما يقوله الشاعر فى سياق تاريخى محدَد ومن أجل غاية معيَنة قد يكون هو الإمتاع وكفى وقد يكون هى الإفادة فحسب، وقد يكون جماع هذين الجانبَين ولكنه لا يستطيع أن يكون غير ذلك وإلا بطل أن يكون شعرا .

العلاقة بين الأدب والمجتمع قائمة بالفعل وبالقوة، فالأدب لا يكون أدبا إلا فى ظل شروط اجتماعية محدَدة. فالأديب المُنتج للعمل الأدبى، هو فى البدء والختام فاعل اجتماعى قادم من مجتمع معين. والمتلقى المُفترَض لهذا المنتوج الأدبى / الاجتماعى هو فاعل اجتماعى آخر، والنسق العام الذى يحتضن هذه العملية يظل هو المجتمع بفعالياته وأنساقه الفرعية الأخرى. فعلى مستوى حقل الاشتغال، يتأكد واقعيا أن هذا الحقل يتم بالنسبة إلى الأديب والأدب والمتلقى على صعيد المجتمع، فالأدب مشروط من حيث إنتاجيته وتداوليته بوجود المجتمع، وإلا ما أمكن «تقديره» واعتباره أدبا. أما على مستوى آليات الاشتغال ومولداته، فإن الاجتماعى يلعب دَورا بالغا فى إنتاج الأدب وبلورة الرؤى والمسارات المؤطِرة له. ولئن كان أنصار التحليل النفسى يذهبون إلى الربط الصارم بين العملية الإبداعية الأدبية والعناصر السيكولوجية، فإن الدرس السوسيولوجى يلح على التداخل والتشابك بين عدد من العناصر النفسية والاجتماعية والسياسية والثقافية فى صناعة الأدب. وهى عناصر يمكن إجمالها فى سؤال «المجتمع»؛ إذ إن عملية الإنتاج الأدبى والإيديولوجى لا تنفصل بالمرة عن العملية الاجتماعية العامة.

فالأدب هو محصلة نهائية لتداخل عوامل مجتمعية يحضر فيها النفسى والجمعى والتاريخى، ولا يمكن بالتالى أن ينفصل عن سياقه المجتمعى. فكل نص هو تجربة اجتماعية، عبر واقع ومتخيَل. وعلى الرغم من كل المسافات الموضوعية التى يشترطها بعض الأدباء لممارسة الأدب، فإن المجتمع يلقى بظلاله على سيرورة العملية الإبداعية، بل ويوجِه مساراتها المُمكنة فى كثير من الأحيان .

والأدب انعكاس اجتماعى بطبيعة الحال، وذلك «أنه نشاط اجتماعى قبل أن يكون نشاطا لغويا. حتى اللغة تُفسَر من منظور اجتماعى قبل أن تُفسَر من منظور آخر» ومن ثم فإن الأدب قابل للتعريف من منظور اجتماعى على أنه مجموعة من القيَم، أو التعبير عنها
ولنا أن نتأمَل صلة الأدب بالمجتمع فى أقدم صُور الأدب «ولنرجع إلى الوراء إلى أعمق صُور للشعر، وهى الشعر القصصى عند اليونان، صورة الإلياذة، فسنجدها لا تتغنى بعواطف فردية، وإنما تتغنى بعواطف الجماعة اليونانية لعصرها، مصوِرة حروبها فى طروادة ومَن استبسلوا فيها من الأبطال، ومن هنا نشأ القول إن ناظمها ليس هو هوميروس وحده وفى العصر الجاهلى كان الشعر العربى مرآة عصره، وصورة من حياة العربى وباديته، أو كما يقال: كان ديوان العرب، أو سجلهم الذى يصوِر حياتهم، ويحكى عاداتهم وتقاليدهم، ويعكس أحوال معيشتهم فى صدق تام. ولنا أن نتوقف عند شاعر مثل «عمرو بن كلثوم» الذى دخل التاريخ بقصيدة واحدة تناقلتها الألسنة، وغنتها القوافل جيئة وذهابا، وأكثَر بنو قبيلته «تغلب» من إنشادها جيلا بعد جيل حتى قال فيهم الشاعر .

ويمكن التأكيد بأنه لم تكن العلاقة المُتبادَلة بين الأدب والمجتمع محل شك على مدى التاريخ الأدبى، وإنما الإشكاليات كانت تتراكم حول وجهة النَظر التى يُنظر بها إلى هذه العلاقة، وفى طُرق تناولها نقديا، وفى الصراع الفكرى والفلسفى الذى دار حولها. وعلى مدى التاريخ الحديث، ومنذ انتهاء سيطرة الكنيسة على المجتمع والفكر فى أوروبا وظهور ما يسمى بالعلمانية، شهدت الفترة التالية نهضة للعلوم الطبيعية، سيطرت بمنهجها وقوانينها منذ القرن التاسع عشر على البحوث الأدبية سيطرة أدت إلى ظهور ما يُمكن أن نسميه بالتاريخ الطبيعى للأدب عند طائفة من النقاد ومؤرخى الآداب، يأتى فى مقدمتهم «سانت بيف» و«تين» و«برونتيير» متأثرين بفلسفة «أوجست كونت» الوضعية، فى ما عرفوا تاريخيا بالنقاد الوضعيين نسبة إلى هذه الفلسفة، وكانت لهم رؤيتهم لهذا العلاقة التى نحن بصددها الآن، ولدَور الأدب والأديب والمجتمع أيضا. وفى رأى أصحاب هذا الاتجاه أن من أشد الأمور خطأ أن يُقال إن كل أديب كيان مستقل بذاته، وبآثاره. فالأديب وكل آثاره وأعماله ثمرة قوانين حتمية عملت فى القديم، وتعمل فى الحاضر، وتظل تعمل فى المستقبل، وهو يصدر عنها صدورا حتميا لا مفر منه ولا خلاص. إذ تُشكله وتُكيفه بحسب مشيئتها وبحسب ما تحمل فى تضاعيفها من جبر وإلزام .
فبمجرّد نشره عمله الأوّل، يعرّض الكاتب حياته للكشف ما يعود بنا إلى الكتّاب. إنّ أكثر ما يثير شهيّة القرّاء في عوالمهم الخفية، خصوصاً المشهورين منهم، هي نقائصُهم ومباذلهم وانحرافاتهم وجنونهم، وهي نزعات مبالغ بها أو غير حقيقية، إن لم تظهر على السطح، على ألّا تؤول على غير وجهها الحقيقي .

بالمقابل، في ما لو أخذ القارئ بما يروّجه مريدو الكاتب عنه، لكان مثالاً فريداً للخِصال الحميدة، والمغامرات الجريئة، والإقدام والمخاطرة، أو للفكر العميق والتأمّل، وربّما للبؤس العظيم، أو العبقرية الفذّة، والتفرّد في الموهبة. وقد تكون لا أكثر من ممارسة الخديعة على القارئ، ليقتفي أثراً لا وجود له .

ما كتبه كبار الكتّاب من روايات وغيرها، لا يكفي للكشف عنهم، لذلك تنشط كتب السير والمذكّرات. من جانب آخر، صحيحٌ أن الحياة الشخصية للكاتب تعنيه وحده، لكنها تعني القرّاء أيضاً، إذ بمجرّد ما نشر كتابه الأول، وكشف عن حيوات الآخرين، فقد عرّض حياته للكشف، والأدهى لأخطار التجسُّس والتلصُّص، لكنْ ما نصيبها من الحقيقة؟ لا بأس في القول إنّ الكاتب نفسه قد يجهلها، فهو يعيشها ولا يراها، ومن المبالغة الاعتقاد بأنّ الآخرين قد يعرفونها، لكنّهم يحاولون .

و حين نذكر الرواية كجنس أدبي لا يمكننا أن نغفل عن ذكر أبرز أعلامها وأهمّ من خطوا لها طريق الترسخ في أرض الأدب جنسا جامعا ونصا فارقا تسيد كل الآداب الأخرى.
ومنهم الرائد نجيب محفوظ الذي عاش  حياة روتينية محدودة من البيت إلى الوظيفة، ومقهى "ريش"، وسهرات العوام. من هذا العالم الصغير، كشف عن عالم كان بحجم مصر كلّها، عكَسَ الحياة الاجتماعية لعدّة أجيال من دون تهاويل شخصية. في الواقع، لم تكن حياة محفوظ الخاصّة مكشوفة، وكانت خفاياها مُلكاً له وحده، وما ادّعاء الاطّلاع عليها إلّا من قبيل التوقّعات لا أكثر .

ومنهم أيضاً الروائي الروسي فيودور ميخايلوفيتش دوستويفسكي الذي قدم للأدب العالمي منجزا استثنائيا جعل كل العالم يحتفي بمئويته الثانية، إذ لم يتراجع الاهتمام بنتاجات هذا العبقري الروسي رغم مرور السنوات.
أعلنت منظمة اليونسكو أن عام 2021 هو عام دوستويفسكي بامتياز، حيث تحل الذكرى المئوية الثانية لميلاده ، فقد ولد فيودور ميخايلوفيتش دوستويفسكي في أكتوبر 1821، وتوفي في فبراير 1881 بنزيف في الرئة، عن عمر ناهز الستين عاما، كما أكدت اليونسكو أن الاحتفالات لا تشمل روسيا فقط، بل ستكون في مختلف بلدان العالم.
وهذه الاحتفالات تأتي تأكيدا لقيمة أديب روسيا الكبير الذي تَركَ أثرا كبيرا على الرواية العالمية؛ إذْ استطاع من خلال أعماله على تنوّعها (الروائيّة والقصصيّة) تجسيد الخصائص التراجيديّة للحياة الروسيّة والأوروبيّة الغربيّة، لا لعصره فحسب بل وللعشرات من السّنين التالية. فهو، بتعبيره، يكتب عن الواقع الجاري لما يمثّله هذا الواقع من أزمة وتحوّل في حياة روسيا وأوروبا، فهو عصر يُمثّل نهاية مرحلة ومقدمة لبداية مرحلة أخرى جديدة من التطوّر التاريخي الاجتماعي – الثقافي. ولا تقتصر أهمية تراث دوستويفسكي عند الأدباء فحسب، فآينشاتين اعترف أن "روايايه قدمتْ له لأجل فهم نظرية النسبيّة أكثر مما قدمه كل تراث إيلير الرياضي ".
لأعمال دوستويفسكي مكانتها في الأدب العالمي بما تركته من تأثيرات على القرّاء من مختلف الجنسيات، فقد كان أشبه بجرّاح وهو يُعالج عَطب المجتمع وما يعتري النفس البشرية من أضرار وعِلل، فتارة يتمثّل دور الحكيم في تشخيصه وغوصه في أعماق النفس البشرية؛ كاشفا عن ضعفها وهشاشتها وعجزها وخطيئتها، فكما يقول رازوميخين في رواية "الجريمة والعقاب” "إنني أحب هذا، أحب أن يخطئ الإنسان، إن هذا هو امتياز الإنسان الوحيد على سائر الأحياء، وبهذه الطريقة يصل الناس إلى الحقيقة؛ أنا إنسان، وأنا إنسان لأنني أخطئ وأمتص الخبرات والتجارب من الحياة؛ لعل الخطأ الأصيل خير من حقيقة تافهة ".
 و يتمثّل بدور الفيلسوف في رؤيته العميقة والبعيدة لهذه الأعطاب، وسعيه لاكتشاف طبائع البشر وإدراك اختلافاتهم والنفوذ إلى أعماق أرواحهم ورسم صورة كاملة عن مختلف أشكال حياتهم وأفكارهم ومشاعرهم، وهو ما حدا بالفيلسوف نيتشه لأن يقول "دوستويفسكي مُعلّم النفس الوحيد الذي استفدتُ منه”، وهو ما أكده فرويد أيضا بقوله "دوستويفسكي معلم كبير في علم النفس، لا أكاد أنتهي من بحث في مجال علم النفس الإنساني حتى أجد دوستويفسكي قد تناوله قبلي في مؤلفاته ".
كما يتمثّل بدور المصلح الاجتماعي في تنديده بالفساد والسعي إلى اقتلاعه من جذوره، وتارة أخرى يتمثّل دور القديس أو النبي بما احتوته هذه الأعمال من رؤى إيمانيّة دينيّة، فكما يرى نابوكوف "أن شخوص دوستويفسكي يستمرون في إراقة دم المسيح؛ ليصِلوا إليه”.
ويقول ميخائيل باختين في دراسته الواسعة "قضايا الإبداع عند دوستويفسكي” "إن دوستويفسكي شأنه شأن بروميثيوس جوته، لا يخلق عبيدا مسخت شخصياتهم (مثل فعل زيوس)، بل أناسا أحرارا مؤهلين للوقوف جنبا إلى جنب مع مبدعهم، قادرين على ألا يتفقوا معه، بل وحتى على أن يثوروا في وجهه ".
وهذا المعنى يشي بجوهر الفكرة التي آمن بها دوستويفسكي في سعي الناس العاديين أو غير العاديين إلى التغيير، حتى لو تمّ هذا التغيير بالعنف أو الدم، على نحو ما رأينا في الرغبة الجموح للطالب راسكولينكوف (بطل الجريمة والعقاب) الذي فُصل من الجامعة لفقره؛ لتغيير العالم، فهو يؤمن، كما يقول غيورغي فريدلندر، بحق بعض الناس (مقرري المصير) في أن يصنعوا التاريخ بحرية تامة، وبحسب الحق الممنوح لهم دون أن يوقفهم الدم أو الشر.
وفي روايات دوستويفسكي نجد أن عنف المظلومين أو "معذَّبو الأرض”، بتعبير فرانز فانون، "عنف نيتشوي” كما يقول سارتر، وهو ما نجد له صدى عند "كيريلوف” في "الشياطين” فهو يريد أن يُضحّي بنفسه في سبيل إيقاظ البشرية الراقدة وحسَّها على إيجاد طريق جديد، وهي الأطروحات التي آمن بها "فرانز فانون” بحتمية المقاومة بالعنف، بل هو أساسي في عملية التغيير السياسي على عكس ما كانت تدعو حنّة أرندت وغاندي، حيث يدعوان إلى المقاومة اللاعنيفة” بوصفها مصدرَ قوة .
ومن ثمّ ظلّ أبطاله/ شخصياته على اختلاف طبيعتهم التكوينيّة والنفسيّة التي رسمها بها كراسكولنيكوف والأمير مشيكين وستافروجين وإيفان كرامازوف وناستاسيا فيليبوفنا والمفتش الكبير والمرابية العجوز (إلينا إيفانوفنا) والمقامر… وغيرهم، ظلت جميعها موضع إعجاب وتقدير وتعاطف (بالإيجاب لا السلب) في كثير من الأحيان، بل وصل الأمر إلى تبرير جرائمهم على نحو ما حدث مع راسكولنيكوف. وقد غدت صورة الأمير مشكين وهو يحمل مخلاته التي تتناقض مع لقبه الذي يحمله موضع تساؤل قُرّاء الأبله، وبالمثل مونولوجات راسكولنيكوف بطل الجريمة والعقاب، وكذلك هلوسات إيفان مع الشيطان ظلتا موضع دهشة وتساؤلات وحيرة، ومن جانب آخر صار الأبطالُ / الشخصيات شخصيات أدبية لأعمال أدبيّة أخرى .
كما نذكر جبران خليل جبران و هو أحد أبرز الشعراء والكتّاب في الأدب العربي والشرق الأوسط، وله تأثير كبير على الأدب العالمي، وخاصة الأدب الأمريكي والأوروبي.
جبران خليل حبران المؤلف العالمي ذو النطاق الواسع فقد أثرت أعماله بشكل خاص في الشعر والرواية والقصة القصيرة والمسرح .
أثر جبران في الثورة الأدبية التي حدثت في النصف الثاني من القرن العشرين، لأنه كتب بأسلوب جديد ومثير يعكس الحقائق الإنسانية العامة. ومن أشهر أعماله التي أثرت في الأدب العربي "الأرواح المتمردة" و "النبي" .
وفي الأدب العالمي، تأثر العديد من الكتاب والأدباء بأعمال جبران. فقد نالت أعماله إعجاب العديد من الأدباء العالميين، مثل والت ويتمان وفرانز كافكا وروبرت فروست وغيرهم. ويعتبر "النبي" واحداً من الكتب الأكثر ترجمة في الأدب العالمي، وحتى الآن لا يزال يشكل تأثيراً كبيراً في الثقافة العالمية .
ترجمت أعماله إلى اللغات العديدة، وتم تأثيره بشكل كبير على الأدب الإنجليزي والأمريكي والفرنسي والإسباني والإيطالي والصيني والروسي وغيرها.
وحتى الآن، يعد خليل جبران واحدًا من أشهر الكتّاب العرب والشخصيات الثقافية في العالم، ويستمر تأثيره في الأدب والفنون والثقافة حتى يومنا هذا .
 إن علاقة الأدب بالمجتمع تشمل علاقة الأديب بمجتمعه ووعيه لما يجري حوله وكشفه ما يخصُّ المجتمع وما يخفى على الآخرين. 
فالأدب فن من الفنون الجميلة يعكس مظهرا من مظاهر الحياة الاجتماعية. وسيلته في التعبير عن تلك القيم الكلمة المعبرة الموحية، هذا التعريف البسيط يلتقي بتعريف آخر..
" إنه تعبير فني عن موقف إنساني أو تجربة إنسانية ينقلها الأديب ويبغي من ورائها المتعة والفائدة ".
 فالتعريف يؤكد على دور الكلمة وأثرها في التعبير ومكانتها لما فيها من سحر وقوة مؤثّرة في نفس المتلقي وهذه الكلمة وراءها مبدع مرهف الحس ورقيق الطبع شديد الحساسيّة يستشفّ بريشته الفنية وبوسيلته الخاصة ..

فالأدب عبارة عن رسالة موجهة من الكاتب إلى المجتمعات. وبها يعرض الغاية التي يريدها في كتاباته سواء كانت نثرا أو شعرا. أي ما تقتضيه من هموم ومعاناة المواطن بالإضافة إلى النقد المباشر أو غير المباشر لفئات معينة من المجتمع وبالتالي تسهم في انفتاح المواطنين نحو الحرية والعدالة ومحاربة الفساد والظلم والاستبداد ولا ننسى كيف نجح كثير من الا الأدباء في ذلك مثل عبد الرحمن الكواكبي الذي نجح في إظهار مخالب الاستبداد والفساد في كتاباته ومثله كثر .

فللكلمة دور في بناء المجتمعات وأكثر ما يظهر في المواقف العصيبة والأزمات 
 وصانع هذه الكلمة أديب ملك عقلا واعيا متسلّحا بالوعي والإيمان بالهدف
ولكن نسأل أنفسنا عن طبيعة العلاقة بين الأديب ومجتمعه، فهل العلاقة طبيعية وعادية كغيره من أفراد المجتمع؟ وهل علاقته علاقة توجيهية بنّاءة؟
يبدو أنها علاقة توجيهية قياديّة نظرا لما يملكه من صفات وإمكانات تؤهِّله على تحمُّل المسؤولية ولذلك يطلب منه أن يكون أكثر التحاما بقضايا مجتمعه وهو الذي يملك وسيلة مؤثرة، فكل شيء يمكن أن يزول إلا أثر الكلمة ولا يتغيّر شيء إلا عن طريق الكلمة؟ ألم يقل التوراة " في البدء كانت الكلمة "؟
فالأديب يملك القدرة على ربط الماضي بالحاضر وكشفه وترسيخه لقيم الخير وهذه أمور أساسية في الأدب ومن أهدافه. فالأديب له عين تكشف الغطاء عن روح الأمة، ويد تربط بين أجزاء شخصيتها ومراحل تطورها، وله قدم تسعى إلى مستقبل أرحب. وهذا لا يتحقق إلا بتوفُّر أدباء ناضجين مسؤولين واعين لقضايا أمتهم ومؤمنين بمعالجتها، فالأديب له رسالة، وهذه الرسالة تتطلب منه زادا ثقافيا وفكريا يغني تجربته ويعمق رؤيته للمجتمع والإنسان ولا نفهم علاقة الأديب بمجتمعه أنها انخراط بمشاكل المجتمع، بل نفهمها إحساسا صادقا مفعما بالحب والغيرة والرغبة في تطوّر مجتمعه، فعلاقة الأديب بمجتمعه علاقة تفاعليّة يتأثر بالمجتمع وأحداثه ويتأثر بالوسط الاجتماعي ويتفاعل معه مما يزيد انتماءه وإحساسه
فالأدب ما هو إلا انعكاس للواقع، ويلعب العمل الأدبى دَورا متميزا داخل المجتمع حيث يقوم برفع وعى الأفراد به باعتباره وسيلة من وسائل بث الوعى الفكرى والجمالى برسالته الأدبية والجمالية
 ويأتي إلينا سؤال: ما هي وظيفة الأدب؟ وما هو دوره في حركة المجتمعات؟ فأرى أنّ الأدب انعكاس لرؤية الأدباء وتصوّراتهم المستقبلية، فإليكم ما قاله القاص المبدع يوسف إدريس عن علاقته بالمجتمع .
" أما نحن فإننا ندعو من أجل تدعيم هذا الأدب وتركيزِه وتوضيح اتجاهاته إلى سلوك سبيل الالتزام. سمّوه ما شئتم، ذلك هو الأدب الحيّ الذي ينبع من المجتمع ويصب فيه فيكون صورة حية له، وذلك هو الأديب الذي يصهر عواطفه جميعَها في بوتقة الناس وحاجاتهم، فينفذ إلى أغوار مشكلاتهم فيصدق في الإحساس وفي التعبير عنها والمشاركة في إيجاد حلول لها ". 
فالأدب الصادق أدب ليس معزولا عن المجتمع، فعلى الأدباء أن يعيشوا تجربة عصرهم، ويعكسوها في أعمالهم متوخّين ترسيخَ الجديد ونفي الفاسد. وللأديب وظيفةٌ اجتماعية نحو قضايا مجتمعه دون أن تخرجه عن إطار ومقومات العمل الفنية لأن ما يقوله ليس عاديا. ولو كان عاديا لما تميّز الأديب عن باقي أفراد الشعب ولا يمكن للأدب أن يؤدي وظيفته بعيدا عن مقومات الإبداع الفنية من خيال ورؤية وأسلوب مناسب وتصور لما يعبر عنه، ويرسمه بحريته بعيدا عن الإلزام. فهو مسؤول أمام التاريخ عن كل كلمة عبّر عنها .
سُئل توفيق الحكيم لماذا تكتب؟ فكان جوابه: " لأن الفنّان لا بد ّأن يكون له وجهة نظر في الحياة وفي الناس وفي الأفكار. الفنان ليس مجّرد متفرّج. إنه متفرج وصانع لمجتمعه في وقت واحد". 
وهناك قول يقول: " النفس بحاجة إلى رخاء في غذائها الفكري والعاطفي كحاجة الجسم إلى شيء من النعيم في حياته المادية، والأدباء والفنانون يجلبون هذه الحقيقة، ويقدّمون هذه الوجبة الغنية للمجتمع". 
وهناك من يقول : يقدِّمونها وجبة أوّلية، ويرشدون إليها، ويلفتون الأنظار نحوها موضّحين أهميتها دون أن يلقِّنوها بالفم .

فالأدب قد يؤثر سلبا أو إيجابا وأقرب مثال الحرب الباردة التي تؤثر سلبا على المجتمع في ظل الحروب دون إستعمال السلاح .
فللكلمة دور في بناء المجتمعات وأكثر ما يظهر في المواقف العصيبة والأزمات وصانع هذه الكلمة أديب ملك عقلا واعيا متسلّحا بالوعي والإيمان بالهدف ..

فإن تقصّينا ما يمكن أن تحرّكه الكتب في داخل البشر، سواء سلباً أو إيجاباً، لَمَا تمكنّا من إحصائها أو توقّعها، ولو كانت عبارة عن أحاسيس أدّت إلى تراكمات متناقضة، إلى حدّ يمكن أن تعزّز نوايا حسَنة ومشاعر راقية، أو ارتكاب حماقات أو موبقات بدعوى التحرّر من المجتمع، أو تخلق في داخلنا مشاعر العظمة الفارغة، أو تبيح لنا قتل الناس على أنّهم لا يستحقّون الحياة. 

وكتبت د. سلمى زكي الناشف، ورقة عمل هذا نصها  
مقدّمة
 لطالما استمتعنا بقراءات كثيرة في طفولتنا وصبانا وحيث لم يكن هناك أثرٌ لما يسمى الآن بمواقع التواصل الاجتماعي، أو الهواتف النقـّالة، أو الواتس أب، أو الإنترنيت، أو أي من وسائل التواصل الأخرى، وغاية ما حصلنا علية في صبانا هو هاتف مستقل عن الهاتف الأرضي، ولكنه متصل معه ولا يعمل بدونه، بل يعمل على بعد أمتار قليلة فقط منه، واعتبر هذا حينها تطوّرًا كبيرًا عن الهاتف الأرضي غير المتحرك من مكانه، والمتصل هوائيًا وكهربائيّاً.  
 تنوّعت قراءاتنا ما بين كتابات تعليميّة تربويّة في مدارسنا، وأخرى ترفيهيّة ما بين أشعارٍ وقصص وألغاز وغيرها، والكتب الدينيّة السماويّة التي اعتبرت كنظام لحياتنا. 
ولم يخطر في بال أحدنا أن يسأل ولو مرّة عن الجنود المجهولين الذين هم وراء هذه الكتابات، بل لنقل المبدعين والموهوبين، ولأهميّة هذا الموضوع تمّ تناول موضوع "الكاتب، وأثره في المجتمعات" والمطروح من قبل مدير ملتقى السِلَع الثقافي وبدعوة كريمة منه، حيث ستتناول الورقة أثر الكاتب في مجتمعه، سلبًا أو إيجاباً.
وبالنظر إلى هذه المقدّمة البسيطة نسأل: هل يمكن أن يوجد شخص في المجتمع دون أن يقرأ لكاتب، أو يتأثر ضمنًا أو علنًا بكتاباته؟ والجواب بكل بساطة لا، باستثناء تلك الفئة البسيطة التي يمكن أن نطلق عليها الأميّة.
ومن هنا تبرز أهميّة الكاتب، وأثره الكبير في المجتمعات، والتي تجعله في بؤرة الاهتمام، ومنها اهتمامنا.

دور الكاتب
إن من الصعب تحديد مفهوم الكاتب ودوره، فهو مصطلح فضفاض، له أكثر من وجه، ولكنه من الضروري أن يكون لصالح المجتمع وقيمه الإنسانية مثل الصدق والأمانة والتسامح والانتماء والإخلاص وحب الوطن، وغيرها من أجل التأثير الإيجابي في المجتمع، ومن أجل ذلك لا بد من وضع ضوابط لعمل الكاتب، بعيدة عن التفاهات التي نراها في الكثير من الكتابات الحديثة، ومواقع التواصل إن اعتبرناها من ضمن أعمال الكُتّاب.
   ومن الضروري أن يكون الكاتب مطلعاً على الأمور السياسيّة والدينيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة وغيرها ليستطيع الكتابة فيها، والكتابة نعمة ونقمة في آنٍ واحد، فهي نعمة عندما يكون الكاتب مصلحًا متفائلاً لا يخشى في الحق لومة لائم، وهي نقمة عندما تبتعد عن المصداقيّة، وعن مساعدة المظلومين وإيجاد الحلول، فتنحدر بكاتبها إلى الحضيض حيث يفقد ثقة الناس به.
والمبدأ الأساسي الذي أراه واضحًا كوضوح الشمس ومتطلّبًا أساسيّـًا عند الكاتب هو التزامه الأخلاقي والقيمي والموضوعي تجاه أي عنوان أو قضيّة أو مشكلة سيكتب فيها.
وعليه فإنه لا بد من وضع قائمة لموضوعات معيّنة، وبما هو جيّد، أو سيّء فيها، وبالأهداف التي يُطمح لنشرها بين أفراد المجتمع من خلالها، وذلك من قبل أفراد مسؤولين يتبعون الجهات الرسميّة وتعميم هذه المسموحات والممنوعات على الكتّاب بطريقة أو بأخرى، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لا بد من تتبع مدى تنفيذ الكُتّاب وصانعي المحتوى وذلك من خلال تشكيل لجنة متابعة من أفراد بأعمار مختلفة، وتخصّصات مختلفة، ويكون هؤلاء إما متطوّعين أو مدفوعي الأجر، ويستحسن أن يتم انتقائهم من الأشخاص المعروفين بحسن الإدارة والحكم والقدرة على التمييز بين الغثّ والسمين، ليكونوا عادلين في أحكامهم وغير متسلّطين، ومن ذوي الثقافة المجتمعيّة الواقعيّة.
ويمكن أن نقسم التعليمات المسموح بها والمحظور منها إلى قسمين:
القسم الأوّل خاص بالكُتّاب والمؤلّفين، والكُتّاب هم الذين يكتبون في أعمدة الجرائد أو مقالات المجلات وغيرها، وهؤلاء قد يتبعون منظمة ما أو حزب أو مجموعة أو طائفة ..الخ، فمنهم المتديّن، والمحافظ، والليبرالي والشيوعي، والمنتمي والعنصري، ومنهم الذكور والإناث، وشعراء السلم والحب والغزل وشعراء المقاومة والحروب، وهم يعبّرون عن أفكارها، ولو كانت مخالفة لأفكارهم، وبهذا تحدّ حرية الرأي لديهم، وقد يدفع لهم نقودًا فيصبحوا مأجورين، وكم هو مؤلم أن يتم تغيير الحقائق البشعة لإظهارها بصورة أفضل عن طريق اللجوء إلى تخيّلات مخالفة للواقع، وأمّا المؤلّفون فهم الذين ينشرون كتبًا بأفكارهم دون التأثير عليهم من جهات أخرى، وهؤلاء يعبّرون بصدق وحريّة عمّا يرونه مناسبًا أو غير مناسب للحَدَث، ولقيم المجتمع، وديانته، وغيرها، وتكون إنسانيتهم ديدنهم الأوّل.
 والقسم الثاني صُنّاع المحتوى، وهؤلاء هم الذين يكتبون في الإنترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي، والقسم الأوّل بشقيه لهم تعليمات قد تختلف عن تعليمات صنّاع المحتوى لأن فضاءهم أقل اتساعاً من فضاء صنّاع المحتوى، وموضوعاتهم أيضًا مختلفة في غالب الأحيان. 
وتعتبر هذه التعليمات ضابطة ومنظّمة للمجتمعات، وإن كانت في رأي البعض مثل جورج مايك في مقالته المترجمة دور الكاتب (ᵌ) غير ذلك، فهي على حد قوله مدمّرة وقاتلة، ولك أن تتخيّل ماذا يمكن أن يحصل في مجتمع إذا لم توجّه كتابات أفراده، ستصبح العشوائيّة مساره، والتخبّطات عنوانه، والصدامات، لذا لا بد من توجيه الجميع في بوتقةٍ واحدة، مع السماح بوجود مساحة حريّة مناسبة.
ولدينا أمثلة كثيرة جداً على أشخاص عرب وأجانب من الكُتّاب الذين أحدثوا تأثيراً كبيرًا في المجتمع، وكان عليهم مسؤوليّة تغيير اتجاهات المجتمع أو تعديلها، ونذكر منهم على سبيل المثال تشارلز ديكنز، وليو تولستوي، وشكسبير، وغيرهم، ومن العرب أبو بكر محمّد الرازي (864- 923م، 59 سنة)، وأبو عَلْي الحَسَن بن الحَسَن بن الهَيْثَم البصري (965م- 1040م، 74 سنة)، وأبُو عبْد اللّٰه محمَّد بْنُ عبْد اللّٰه بْن محَمَّد اللَّوَاتِيّ الطَّنْجِيّ المعروف بإبن بطوطة (1304- 1369م، 65 سنة) ومن كتاباته "رحلتُ وحيداً. لم أجد أحداً يؤنس وحدتي بلفتاتٍ وديّة، ولا مجموعة مسافرين أنضم لهم. مدفوعًا بِحكمٍ ذاتي من داخلي، ورغبة عارمة طال انتظارها لزيارة تلك المقدّسات المجيدة، قرّرت الابتعاد عن كل أصدقائي، ونزع نفسي بعيداً عن بلادي. وبما أن والديَّ كانا على قيد الحياة، كان الابتعاد عنهما حملاً ثقيلاً علي. عانينا جميعاً من الحزن الشديد"، ومصطفى لطفي المنفلوطي (1876- 1924م، 47 سنة) ومما كتبه "أنت حزين؛ لأن نجمًا زاهرًا من الأمل كان يتراءى لك في سماء حياتك فيملأ عينيك نورًا، وقلبك سرورًا، وما هي إلا كره الطرف أن افتقدته فما وجدته، ولو أنك أجملت في أملك، لما غلوت في حزنك، ولو أنك أنعمت نظرك فيما تراءى لك، لرأيت برقًا خاطفًا، ما نظنه نجمًا زاهرًا، وهناك لا يبهرك طلوعه، فلا يفجعك أفوله. أسعد الناس في هذه الحياة من إذا وافته النعمة تنكّر لها، ونظر إليها نظر المستريب بها، وترقّب في كل ساعة زوالها وفناءها، فإن بقيت في بدء فذاك، وإلا فقد أعدّ لفراقها عدّته من قبل، ولولا السرور في ساعة الميلاد ما كان البكاء في ساعة الموت، ولولا الوثوق بدوام الغنى، ما كان الجزع من الفقر، ولولا فرحة التلاقي، ما كانت ترحة الفراق"، وطه حسين والذي يعتبر كتابه (الفتنة الكبرى) بجزئيه والصادر في سنة 1952-1953م من أفضل الكتب العربية في العالم، حيث يبدأ الفصل الأول فيه بالفقرة التالية "هذا حديثٌ أريد أن أُخْلِصَهُ للحقّ ما وسعني إخلاصه للحقّ وحده، وأن أتحرّى فيه الصواب ما استطعتُ إلى تحرّي الصوابِ سبيلاً، وأن أحْمِلَ نفسي فيه على الإنصاف لا أحِيدُ عنه ولا أُمالئ فيه حزبًا من أحزاب المسلمين على حزب، ولا أُشايع فيه فريقًا من الذين اختصموا في قضيّة عثمان دون فريق، فلستُ عثمانيَّ الهوى، ولست شيعةً لعلِيّ، ولستُ أُفكّر في هذه القضيّة كما كان يفكّر فيها الذين عاصروا عثمان واحتملوا معه ثقلها وَجَنَوْا معه أو بعده نتائجها"، وعباس محمود العقاد وجبران خليل جبران وامرؤ القيس وابن خلدون ورضوى عاشور وغيرهم الكثير.
وأمّا مجالات الكتابة فهي الشعر والقصّة القصيرة والفلسفة والدراسات الإسلاميّة والرواية والسيناريو والحوار والخيال العلمي وأدب الأطفال وأيّة أفكار أخرى مستجدة.
والسؤال المطروح هنا: هل يمكن للعالِم أو الأديب أن يكون كاتبًا؟ 
         تختلف الآراء حول إجابة السؤال، أمّا كاتبة هذا المقال فإنها ترى أن العالِم إذا استطاع صياغة أفكاره بسلاسة ووضوح، وتمكّن من إيصال فكرته للقارئ بفهم، فإنه بالتأكيد يكون كاتبًا، والعكس صحيح، وما ينطبق على العالِم في هذا السياق ينطبق على الأديب.
وفي مقالة للكاتبة العاصي، شروق (2022م) فقد استعرضت أفضل 10 كتب عربيّة مشهورة في العالم من التخصّصات المختلفة، فكانت كما يلي:
رواية "ثلاثيّة غرناطة" لرضوى عاشور والصادرة عام 1944، بعدد صفحات 502، وتقييمها 4.3
والرواية باختصار تتحدث عن واقع المسلمين في الأندلس، وتعرّضهم لضغوط كثيرة للمغادرة أو تغيير دينهم وحياتهم، وتصوّر مقدار الظلم الواقع عليهم، وسُميت بالثلاثيّة لأنها تتحدّث عن عائلة أبو جعفر بطل الرواية بأجيالها الثلاثة، حيث عاصر الجيل الأوّل منها تنازل الملك أبو عبد الله محمد الصغير عن عرشه، والجيل الثالث عاصر قرار ترحيل المسلمين من الأندلس.

كتاب "مقدّمة ابن خلدون" في علم الاجتماع لعبد الرحمن محمد ابن خلدون، وسنة إصداره 1377م، وعدد صفحاته 3864، وتقييمه 4.3
وتتناول المقدّمة بإيجاز أسس تكوين علم الاجتماع، وأسس علم العمران، كما تتناول كيفيّة نشأة الدول، وتطوّرها، وانهيارها، ويُشار في الكتاب إلى أن الدول تسير وفق قوانين محدّدة ممّا يجعل تنبؤها عن مستقبلها ممكناً.

كتاب "الفتنة الكبرى، عثمان" في التاريخ ومؤلّفه طه حسين، والصادر سنة 1952-1953م، وعدد صفحاته 540، ودرجة تقييمه 4.2
ويتناول الكتاب بشكل متسلسل تاريخ الفتنة الكبرى في بداية الإسلام، منذ عهد الخليفة عثمان بن عفان وحتى مقتل الحسين بن علي وأتباعه في مدينة كربلاء العراقية، وقد كُتب بأسلوب سلس وشيّق وبسيط.

رواية "رجالٌ في الشمس" للكاتب غسّان كنفاني، والصادرة عام 1963م، وعدد صفحاتها 93، وتقييمها 4.2
يرويها الكاتب متسائلاً "لماذا لم يدّقوا جدار الخزّان؟" وهو بهذا يطرح السؤال المتعلّق بأفراد حاولوا الهرب في خزّانات حديديّة ذات درجات حرارة شديدة إلى الكويت حيث النفط والثروة، ومع أنّهم شعروا بهذا الحرّ الذي لا يطاق وبدنو أجلهم إلا أنّهم لم يفكّروا في الدقّ على جدران الخزان من الداخل ليفتحها لهم أحد، ولقوا بذلك حتفهم!
هو لا يصف المعاناة الفلسطينيّة وحدها، ولكنه يصف الظلم الذي يحلّ على أي شخص أو قوم في هذا العالم.

كتاب خواطر "أربعون 40" للكاتب أحمد الشقيري، الصادر سنة 2018م، وعدد صفحاته 267، وتقييمه 4.1
هذا كتاب خواطر يتعلّق بحياة الكاتب الذي اشتهر ببرنامجه التلفزيوني "خواطر"، وذكرياته، ودينه الإسلام وبخاصة القرآن الكريم والله، وأحكام أخرى متعلّقة بالناس، وقد كُتب بلغة سلسة لطيفة في التعامل وبخاصّة مع الشباب، ووسطيّة محبّبة مما جذب القراء للكتاب

رواية "أولاد حارتنا" للكاتب نجيب محفوظ، والصادرة سنة 1959م، وعدد صفحاتها 600 صفحة، وتقييمها 4.1
تدور الرواية حول ما يحصل في إحدى حارات مصر من أمراض وظلم وقهر من قبل فتوات الحارة، وبحث الأفراد عن العدالة والحريّة التي لا يستطيعون الوصول إليها بسبب ما يعتري الأفراد من آفة النسيان.
 وقد حاول الكاتب ربط بعض قصص الأنبياء بوضع مصر بعد ثورة يوليو 1952م، ممّا أثار الجدل حول الرواية لاتخاذها المنحى الديني وليس السياسي إلى درجة محاولة قتل الكاتب، والذي جعله سعيداً لأنها لو اتخذت المنحى السياسي لزج به في السجن كما جاء على لسان الدحيح في برنامجه "الدحيح" عن نجيب محفوظ.
 
رواية "عزازيل" ليوسف زيدان، الصادرة عام 2009م، وعدد صفحاتها 417، وتقييمها 4
الكاتب متخصّص في التراث العربي المخطوط، لذا فإن وصفه التاريخي دقيق، وهو يستعمل الرواية ليؤرخ فيها حدثًا أو أحداثًا تاريخيّة معيّنة.
وهو أوّل مسلم يتطرّق لمحاولات حل مشاكل كنسيّة، فالرواية تتناول الصراع الديني بين أباء الكنائس في القرن الخامس الميلادي، والذي أدّى إلى انفصال الكنيسة الشرقيّة عن الغربيّة.
وقد أثارت هذه الرواية جدلاً كبيرًا ولكنها برغم ذلك فازت بجائزة البوكر العربيّة، وترجمت إلى الكثير من اللغات. 

كتاب التراث "ألف ليلة وليلة"، ومؤلّفه غير معروف، ولكن يعتقد أن الكتاب ينتمي إلى الأدب الفارسي، وتقييم الكتاب 4.
هذا كتاب يضم قصص خرافيّة متخيّلة معتمدة على السحر والمغامرات ابتدعتها شهرزاد للحفاظ على حياتها من الملك برواية القصص له كل ليلة لإلهائه عن محاولة قتلها.
اكتسب هذا الكتاب شهرته عند ترجمته للعربيّة، وحاز الكثير من قصصه على شهرة عالميّة مثل قصّة علي بابا والأربعين حرامي، وعلاء الدين والمصباح السحري.

رواية "يوتوبيا" للكاتب أحمد خالد توفيق، والصادرة عام 2008م، وعدد صفحاتها 192، وتقييمها 3.9
يعتبر الكاتب أحمد خالد توفيق من أفضل الكتّاب العرب والذي جعل القرّاء الشباب يقرأون كما يتمنى.
رواية يوتوبيا تعكس مدى اهتمام الكاتب وانشغاله في الأمور الحياتيّة من مظاهر اجتماعيّة وسياسيّة وتغيّرات مختلفة، وتتميّز الرواية بفكرتها والطرح المتّبع فيها ومدى واقعيتها، فهي تبدأ بفكرة المدينة الفاضلة كما يدلّ اسمها، وتصدم باكتشاف أنها مدينة تعج بالفساد والإفساد، وتتطلّع إلى مدينة مستقبليّة موقعها الساحل الشمالي الذي يتقوقع فيه الأغنياء ويستبيحون جميع المحظورات، وينعزلون تماماً عن الفقراء الذين أرهقهم الجوع والمرض والموت.

10. رواية "قنديل أم هاشم" للكاتب يحيى حقي، والصادرة عام 1940م، وعدد صفحاتها 136، وتقييمها 3.6
تناقش هذه الرواية الجهل والخرافات، حيث تتحدث عن شاب ذهب لدراسة الطب في ألمانيا وعاد ليفتتح عيادته في حي السيدة زينب في القاهرة، ولكنه يفاجأ بأن الناس يتبركون بزيت قنديل مسجد السيدة زينب، بما فيهم خطيبته حيث يعمد حينها إلى كسر القنديل.
وتعتبر خطوة جريئة من الكاتب في ذلك العصر مناقشة ما يؤمن به المجتمع من عادات غير علميّة وغير صحيحة، والتي جلبت استفهامات وتساؤلات سلبيّة حول هذه الرواية، وخاصة عندما عمد الطبيب إلى معالجة عيون خطيبته بالطب الحديث وزيت القنديل معاً!
وقد تمّ تمثيل الرواية في فيلم من بطولة شكري سرحان في عام 1968م.

وبالتمعّن في كل ما سبق الحديث عنه، نستطيع أن نوجز دور الكاتب في النقاط التالية:
الإلهام للآخرين، حيث أن الكثير من الكتّاب المبتدئين في أعمالهم، وبعد قراءاتهم لأعمال الأدباء الكتّاب، فإنهم يعمدون إلى الاستعانة ببعض أفكارهم في كتاباتهم، وكذلك في أسلوبهم، وحتى في اختيار كلماتهم التي سيستخدمونها، والتنوّع فيها.
التأثير على المستمعين عند إلقاء الأشعار وسماع الأغاني ومشاهدة المسرحيات، وبخاصّة إذا أحكم أداء الممثلين فيها، وأبدعوا في تعابيرهم، كما هو الحال في مسرحيات شكسبير روميو وجولييت، ومكبث وغيرها، وكما في أشعار المتنبي ونزار قباني وغيرهم.
التغيير المنشود في المجتمع حتى لو كان جزئيًا كما رأينا في رواية "قنديل أم هاشم" بمحاولات الطبيب تغيير الخرافات المنتشرة في المجتمع مثل عدم وضع زيت القنديل في العين لعلاجها، أو لو كان هذا التغيير بعد فترة من الزمن وليس مباشرًا
الاطلاع على التاريخ في الروايات والقصص والكتابات المختلفة مهم جدّا لأنه يعرّف الناس بحيثيّات وأحداث مختلفة تجعلهم مطلّعون على خفايا الأمور وتظهر لهم بواطنها، الأمر الذي يساعدهم على معرفة مواقعهم الصحيحة في الحياة، وتعديلها إن كانت بحاجة إلى ذلك بالنظر إلى ما سبق وأخذ العبرة والحيطة منه، مثل كتاب "الفتنة الكبرى، عثمان" في التاريخ لمؤلفه طه حسين، وغيره الكثير
التأريخ، كما حصل في رواية عزازيل، وغيرها من الروايات والكتب، وبخاصّة الكتب التاريخيّة.
إعادة الحق إلى أصحابه ومعالجة الظلم في المجتمع والقهر، مثل رواية (ثلاثيّة غرناطة) لرضوى عاشور، و(يوتوبيا) لأحمد خالد توفيق، و(أولاد حارتنا) لنجيب محفوظ، ورواية (رجالٌ في الشمس) لغسان كنفاني، وغيرها الكثير ممّا لا يسمح المقام هنا لذكره
تقديم حلول لمشاكل مجتمعيّة، وأفكار رياديّة، وإبداعيّة، وهذا يعتمد بصورة كبيرة على خلفيّة الكاتب، وخبراته، وعمره، وشهادته، وثقافته وغيرها من الأمور، وأحد الأمثلة على ذلك الحلول التي قدّمها الكاتب يوسف زيدان في روايته "عزازيل"
التوجيه والتعليم والتثقيف وإثارة الوعي، وبث روح الأمل والطمأنينة لدى أفراد المجتمع من خلال كتاباته المتفائلة التي تتسم بالمصداقيّة، وفي كتاب خواطر أحمد الشقيري: أربعون 40" وغيره أمثلة على ذلك
نقل الثقافة والتراث: فحين يدوّن الكاتب مشاهد من الثقافة وعناصرها المختلفة في كتاباته، ويتحدث عن تراث البلد، فهو يساهم في المحافظة على تراث البلد أوّلاً وينقله للأجيال اللاحقة ثانيًا، وفي هذا عمل عظيم يشكر عليه، وفي كتاب "كليلة ودمنة" مثال واضح على نقل التراث، كما في غيره من الكتب المختصة بهذا الجانب
حفظ المعرفة ونقلها، فالكاتب بما يدوّنه وبما يفترض أنه أمينٌ على هذا النقل، يقوم بتمرير المعارف المختلفة والقوانين وغيرها من جيل إلى جيل بعد حفظها، وتؤكد رواية ثلاثيّة غرناطة، ومقدمة ابن خلدون، وخواطر 40 المذكورين ضمن التصنيف أعلاه على هذه النقطة 
التسلية والترفيه: فهناك الكثير من الكتب التي تتناول حل الألغاز والأحاجي، وتلك التي تروي قصصًا فكاهية، وأخرى اجتماعيّة تتعلّق بقصص من حياتنا اليوميّة، وجميعها تهدف إلى تسلية القارئ وتدريب عقله واستجمامه والترفيه عنه واسترخائه
تشكيل الوعي الثقافي العام لدى الأفراد، وإحداث طفرة ثقافيّة والتعريف بالقضايا المختلفة في المجتمع والقيم المتداولة فيه والعادات.
ويتضح لنا من الأدوار المختلفة من كل ما سبق أهميّة دور الكاتب، أيّـًا كان، سواء الملتزم أو غير الملتزم، وتأثير كل منهما سواء السلبي أو الإيجابي، ومن هنا يتوجّب على الأسرة والنظام التعليمي التعاون مع الكاتب والإعلام من أجل تنشئة سليمة للأفراد، متمشية مع سياسة البلد وقيم المجتمع الذي يعيشون فيه وعاداته. 
التوصيات
وأخيرًا، وفي ضوء ما تقدّم جميعه، فأنني أرى ضرورة اتخاذ ما يلي:
مبادرة الكُتّاب في ملتقى السلع الثقافي بتأليف كتاب عن قرية السلع في محافظة الطفيلة تكريمًا لاسم الملتقى، واعتزازاً به
وضع الراغبين من كتّاب ملتقى السلع الثقافي عددًا من المعايير التي يمكن من خلالها اختيار أفضل عشرة كتب أردنيّة 
اختيار أفضل عشرة كتب أردنيّة في ضوء المعايير الموضوعة في البند السابق من خلال لجنة من ملتقى السلع الثقافي
وضع الراغبين من كتّاب ملتقى السلع الثقافي عددًا من المعايير التي يمكن من خلالها اختيار أفضل عشرة كتب عالميّة
اختيار أفضل عشرة كتب عالميّة في ضوء المعايير الموضوعة في البند السابق من خلال لجنة من كبار قرّاء وكتّاب وأدباء ملتقى السلع الثقافي
تحليل كتّاب أدباء لكتّاب آخرين ناشئين أو قدماء أو مخضرمين، من أجل التوجيه والتطوير والصالح العام.

خاتمة
بدأت الكاتبة مقالها بمقدّمة وأغلقته بخاتمة، وكان الوسط فيه الحديث عن دور الكاتب في مجتمعه، فأوردت أمثلة على كتب مختارة ونصوص لكاتبي بعضها ثم استخلصت منها ومن قراءات أخرى مختلفة دور الكاتب المهم سواء في تطوّر المجتمع ورفعته أو العكس بإدخال أفكار غريبة عليه تؤثر على عاداته وتقاليده وتماسك فئاته، وأوضحت العلاقة بين مفاهيم الأديب والعالِم والكاتب من وجهة نظرها بما يتيح للقارئ مزيدًا من الوضوح في قراءاته، ثم وضعت توصياتها في النهاية متأمّلةً أن تجد لها صدى لتضيف إلى الكتابات العربيّة، وتأثير الكتّاب.