آخر الأخبار

نقد وحضور لعرار وكشف عن وثيقة القدس على منصة السلع

راصد الإخباري :  


الاردن - راصد
من عبدالله الحميدي

قراءة نقدية. للشاعر الكبير د. فواز أحمد زعرور:  لعمل الباحثة والمؤرخة الدكتورة نائلة الوعري حول كتابها  "القدس عاصمة فلسطين السياسية والروحية”

هذه الباقة الجديدة فيها   ما كتبه الشاعر ابراهيم ابو قديري عن شاعر الاردن عرار، وما كتبته الشاعرة والمؤرخة د. حنان الخريسات عن وثائق نادرة حول القدس، وتاليا المواد

الغربُ والشرقُ معاً يدعواننا إلى تذوّقِ الأشياءِ النقيةِ الطاهرةِ، وطرحِ الترّهات والقشورِ، والجلوسِ إلى جانبِ العظامِ في المآدبِ العظيمة. فما ينبغي لنا، حتى لو كنا عابرينَ بين منعطفاتِ الزمن، أن نخطئ التقديرَ، فمن يعرف نفسه ويعرفُ الأرضَ، ويدركُ بأنَّ جميعَ مكوِّناتهِ الماديةِ واللاماديةِ، تنتمي إليها، ولكل ذرةٍ من غبارها، ونفحةٍ من هوائها، ونهلةٍ من مياهها، وقبسٍ من ماضيها وحاضرها ومستقبلها، لا بد أن يدركَ بأنه لا يمكن لشجرةٍ أن تقتلع من جذورها، لأن الجذورَ باقيةٌ ما بقيتِ الحياةُ، وبقي الشمسُ والقمرُ، والليل والنهار. كم أتمنى أن أتأرجح بحبور، بين ماضٍ جميلٍ، ومستقبلٍ واعدٍ، وحاضرٍ يعمل كناعورةٍ سرمديةٍ شجيةِ الأنين، تعمل على إيصال صوتِ الماضي إلى أذنِ المستقبلِ، مرهفةِ السَّمعِ، المكللةِ دائماً بالأمل والترقُّب.
أنا أسعى من خلال هذا المقالِ إلى تسليطِ الضَّوءِ على نتاجٍ توثيقيٍّ طاهرٍ ونقي، يحمل عنوان: "القدس عاصمة فلسطين السياسية والروحية” للأديبة الأريبة الدكتورة نائلة الوعري.
يتحدَّثُ الكتابُ عن التحوُّلاتِ، والتبدُّلاتِ، والتطوُّرات، الماديَّةِ منها، وغيرِ الماديَّة، التي شهدتها مدينةُ القدسِ في تاريخها الحديث، والمعاصر، والتي أسهمت في رسم وتكوين منجزاتها الثقافية والنهوض برسالتها الحضارية السامية بأبعادها المحلية والإقليمية والدولية. واللافتُ في الأمر أنَّ هذه المدينةَ  ما تزال تواصل مسيرتها الرياديةَ ، لتمخُرَ عُبابَ الألفيَّة الثالثة بإرادةٍ قويةٍ، وعزيمةٍ لا تلين، وبتحدٍّ صارخ للغطرسة الصهيونية التي لم  تألُ جهداً لإنفاذ مشروعها الاستعماري على أراضيها، مدعومةً بالقوى الاستعمارية التي تعهَّدت برعايةِ هذا المشروع ومؤازرته منذ انطلاق الحملة الصليبية الثامنةِ، غيرِ المسلحة، وبدءِ التغلغلِ الاستعماري في شرقنا العربي، منذ عام 1838 م وحتى يومنا هذا.
قبل الدخولِ في تفاصيلِ الكتابِ، أود أن أعبِّر عن بالغ إعجابي وتقديري للجهودِ العظيمةِ التي بذلتها الأديبةُ الدكتورة نائلة الوعري في تسليط الضوء على قيمِ التنوير والوعي بهذه المدينة الرمز، وتاريخِها العظيم، ومسيرتِها الرائدةِ، التي شكلت أنموذجاً يحتذى به للأحرارِ والمناضلينَ في كل مكان.
في هذا السياق، أجد بأنه يحق لي أن أصف بحث الدكتورة الوعريّ الجديدَ هذا عن تماهي الجانبِ السياسيِ بالجانب الروحيّ في "شخصية” مدينة القدس، بأنه حلقةٌ في سلسلةٍ تجسّد مشروعًا بحثيًّا حقيقياً، و نشاطًا متعدّد الأبعاد، ليس حيال القدس فقط، بل حيال فلسطين وقضيّتها عمومًا، في صراعها ومواجهتها مع المشروع الصهيوني العنصري، المدعوم بشكلٍ مطلق والمعزَّزِ بترسانةٍ إمبرياليّةٍ لا تتوانى ولا تتورّع عن إيجاد الوسائلِ الإنسانيةِ واللاإنسانيةِ لدعم آخرِ كيانٍ عنصريّ في العالم، على حساب شعبٍ ظلمه العالمُ أجمع، وأنكرَ عليه حقَّه في تقريرِ مصيرهِ، واستعادةِ حقوقهِ، وإقامةِ دولتهِ المستقلةِ على ترابهِ الوطني.
في كتابها الجامع الماتع، بالغ الأهمية، تتناول الدكتورةُ الوعريُّ بالبحثِ والتحليلِ مسيرةَ مدينةٍ بلغت خمسةَ آلافِ سنةٍ وأكثر، ولا تزال تشعُّ حضارةً وفكراً على الكون كله؛ على المسلمِ والمسيحيّ، على العربيّ الأعجميّ، بل وحتّى اليهوديّ، لكن ليس الصهيونيَّ الإمبرياليَّ أبدًا. فهي مدينةُ السّلامِ والمحبّةِ التي لا يفهمها هؤلاء.
والباحثةُ هنا لا توثقُ تاريخَ القدسِ وحسب، بل تاريخَ فلسطينَ عموماً، عبر مراحلَ عدةٍ، عثمانيةٍ وبريطانيةٍ وأردنيةٍ، وغيرِها.
والكتابُ الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، في 567 صفحة من القطع المتوسط، يستفيد بشكل كبير من المصادر الأولية الأصيلة، المنشورة وغير المنشورة، كما يركز على المقوِّمات الحضارية التي استندت إليها مدينة القدس، بما يؤهلها لاحتلال موقع الصدارة بين المدن الفلسطينية الأخرى، ومنطقة جنوب بلاد الشام، كمركز إداري متقدم، وعاصمة سياسية بارزة، في الفترة التي تغطيها الدراسة، هذا إلى جانب مكانتها المركزية الكبرى في قلوب العرب والمسلمين، وأتباع الديانات السماوية الثلاث.
لا يفوت القارئُ للكتاب أن يلحظ الجهدَ الكبيرَ الذي بذلته الباحثةُ والمؤرِّخةُ ابنةُ القدسِ، نائلة الوعري، خصوصاً في استفادتها من المصادرِ غيرِ المنشورةِ، مثل سجلاتِ المحاكمِ الشرعيةِ العثمانية، وخصوصاً سجلاتِ المحاكمِ الشرعيةِ للقدس، وجنين، وحيفا، والخليل، ويافا، ونابلس، والناصرة، وكذلك دفاتر بلدية نابلس العثمانية، ودفاتر الجيش العثماني، ودفاتر الطابو العثماني، ودفاتر مديرية الأوقاف العثمانية، ودفتر كاتب عدل القدس، وغيرها.
 كذلك استفادتِ الكاتبةُ من ثماني عشرةَ صحيفةٍ من الصحفِ الصادرةِ في تلك الفترةِ، كصحفِ الاتحادِ العثمانيّ، واللواء، والكوكب، والجامعة الإسلامية، والجامعة العربية، والجهاد، والدفاع، وفلسطين، وغيرها. كما استفادت من أعدادٍ كبيرةٍ من المصادر والمراجع العربية والأجنبية، بما في ذلك الوثائقِ المنشورةِ، والمذكراتِ، وكتبِ الرحّالةِ، والدراساتِ العلميةِ وغيرِ ذلك، ما أعطى الكتابَ مزايا نوعية، وقدَّم الكثير من المعلوماتِ الجديدةِ للمتابعينَ والمهتمين؛ والتي تسهم في حفظِ الهويّةِ العربيّةِ، والإسلاميّةِ، لهذه المدينةِ المقدسةِ المباركة.
في استعراض مقتضب لفصول الكتاب، نجد بأنَّ المؤلفةّ في الفصل الأول من كتابها، الذي يحمل عنوان "حاضنتها الجغرافية” تُولي اهتماماً خاصاً لمسميات المدينة العظيمة، وموقعها، ومحيطها، بدءًا من حاضنتها الجغرافية، ومسمّياتها، وحدودها الماديّة والمعنوية، مروراً بتضاريسها وفعالياتها. ثم تتطرق الباحثة في الفصل الثاني الذي يحمل عنوان "تحصيناتها” إلى تحصيناتها المعنوية، والمادية، وقواعدها العسكرية، والأمنية والمدنية، ومواقعها المأهولة، وعمقها الإقليمي. في الفصل الثالث، الذي اختارت له عنوان "نشاطها العمرانيّ”، تستعرضُ الباحثةُ مسيرةَ النشاطِ العمرانيّ للمدينةِ منذ انطلاقها عام 1856، مروراً حتى بمرحلة الازدهارِ ما بين 1917- 1948 وكذلك فعالياتِ هذا النشاط والخِدماتِ التي تقدمها المدينة.
في الفصل الرابع، الذي يحمل عنوان "سكانها”، تستعرض الباحثة قضية النموّ السكاني وسيادة الأمن والاستقرار وارتفاع معدّلات الولادة، وانخفاض معدّلات الوفيات، وعامل الهجرة، مع التغلغل الأجنبي والاستعمار، والمقاومة الشعبية مع اتساع سوق العمل والخدمات. وفي الفصل الخامس بعنوان "تشكيلاتها الإدارية وسيادتها”، تقدم لنا الدكتورة الوعري شرحاً وافياً للتشكيلات العثمانية (1908- 1918)، ثم التشكيلات البريطانية (1917- 1949)، فالأردنية (1948- 1949)، وتسلط الضوء على مراحل السيادة المختلفة التي طبعت المدينة بطابعها، بما فيها السيادة العثمانية، والبريطانية، والفلسطينية، والدولية والأردنية. وفي الفصل السادس، الذي جاء تحت عنوان "إدارتها ومراكز القيادة والتحكم” نجد أن هناك تعدداً أيضاً في إدارتها ومراكز القيادة والتحكم، ومراحل الإدارة العثمانية والبريطانية والفلسطينية للقدس بين أعوام 1908 و1948. وفي الفصل السابع، الذي أدرج تحت عنوان "الإجماع الشعبي المحلي”، توجه الباحثة الأنظار إلى الإجماع الشعبي المحلي على دعم المدينة وأمور تتعلق بالأعطيات، والتبرعات، والانتخابات، والحشد، والمواجهة والحداثة. أما في الفصل الثامن بعنوان "الإجماع العربي والإسلامي”، فتدير الباحثة دفة الحديث نحو قضايا تتعلق بزيارة المدينة، والتمثيل الدبلوماسي وغيرها. وفي الفصل التاسع والأخير بعنوان "الإجماع الدولي” تركز الباحثة على قضية القدس، ومسائل الأطماع الاستعمارية، والمنظمات، والهيئات الدولية، والشركات العابرة، والتضامن العالمي، وغير ذلك.
بعد هذا الاستعراضِ المقتضبِ لفصولِ الكتابِ، يمكن القولُ بأنَّ أهميةَ الكتابِ تعود، من جملة ما تعود إليه، إلى المصادرِ، والمراجعِ، والوثائقِ، والمستنداتِ، والمحاضرِ، التي اعتمدت عليها الدكتورة الوعري، ومنها وثائقُ تنشرُ للمرَّةِ الأولى. لأنَّ الكتابَ يُعتبرُ وثيقةً تاريخيةً تضافُ إلى أعمالِ الباحثةِ السابقة، التي سبق أن أصدرتها في خلال العشرينَ سنةٍ الأخيرةِ، ولأنَّ الكتابَ يقدم في مضامينهِ، ومن خلالِ مصادرهِ، ووثائقهِ، دراسةً مهمةً تتمحورُ حولَ الأسسِ، والمرتكزاتِ، والمقوماتِ الدينيةِ، والسياسيةِ، والاجتماعيةِ، والاقتصاديةِ، والتاريخيةِ، والجغرافيةِ، التي امتلكتها مدينةُ القدسِ الشريفِ، بل وتميزت فيها على جميعِ المدنِ العربيةِ في بلادِ الشامِ، ما سمحَ لها أن تحتل مكانةَ الريادةِ، والصدارةِ، وشجعَ على اختيارها عاصمةً لفلسطينَ الدينيةِ، والسياسيةِ، كمدينةٍ ما برحت تسمو عبرَ التاريخِ الإسلامي، والعربي، والدولي، وترتقي في مكانتها وتألقها على كل صعيد.
ما يحمله الكتابُ من جديدٍ يتمثل في الرؤية والمعالجة، والتي تصلح بشكل خاصّ كمرجع يتحدث عن تلك المرحلة الفاصلة التي حملت الكثير من الآمال وآلت إلى الإحباط في تمّوز/ يوليو 1948، مع تقسيم القدس إلى شرقية وغربية، ورسم الخطّ الأحمر الفاصل بينهما، مع ترك "منطقة محرّمة” أخذت نسبة 4.4% من مساحتها، بحيث لم يبقَ للعرب من إجمالي مساحة القدس سوى 11.48%؛ وحتى هذه، أكمل المشروع الصهيوني الاستيلاء عليها في عام 1967.
لقد سعدتُ جداً بهذه الهديةِ الثمينةِ من الأديبةِ الدكتورة نائلة الوعري، التي لامست سطورُها شغافَ القلب، وشكلت إثراءً معرفياً للمهتمين،  بعد أن استقرأتُ في مضامينها هذا الزخمَ الهائلَ من الإصرارِ لدى المقدسيّينَ الذين تصدّوا للدفاعِ عن قضيتهم، فأثْرَوُا الذاكرةَ العربيةَ بمخرجاتهم الفكريةِ المُلهمةِ، التي اعتادوا أن يكشفوا من خلالها عن العمقِ الحضاريّ لهذه المدينةِ العريقةِ، الممتدةِ في جذورِ التاريخِ، حيث كانت حاضرةً، ومَحجَّةً، ومقصِداً لمختلفِ الأمم، نظراً لمكانتها الدينيةِ والسياسيةِ، وتاريخِها العريقِ المرموق.
وبعد… تلكم قراءةٌ مهمةٌ سريعةٌ في سفرٍ أحسَبُهُ من الأسفارِ القيّمةِ، والإضافاتِ المميَّزةِ، لمكنوناتِ المكتبةِ العربيةِ، سيجد من يقرأه إجاباتٍ على كثيرٍ من الأسئلةِ الكبرى، المتعلقةِ بأرضِ الإسراءِ والمعراجِ، وتاريخِها، وريادتِها، وقيمِها السياسيةِ والروحيةِ، لتبقى قضيةُ القدسِ، وقضيةُ فلسطينَ، محفورةً في ذاكرةِ الأرضِ والإنسانِ، ما بقيتِ الأرضُ، وبقي الإنسانُ. ومَن يتابعُ التاريخَ الحديثَ للقدسِ وفلسطينَ، يقدّرُ لابنةِ القدسِ عملها المتواصلَ، وبخاصّةٍ ما نشرته من كتبٍ أخرى، مثل "دور القنصلياتِ الأجنبيةِ في الهجرةِ والاستيطانِ اليهوديّ في فلسطين.
لقد نجحت الدكتورةُ نائلةُ الوعريّ في إعادةِ تركيزِ اهتمامنا على مركزيةِ القدسِ في الحياة الفلسطينيةِ، والعربيةِ، والإسلاميةِ (بالطبع، كانت القدس ولا تزال مهمةً أيضًا على مستوى العالمِ وللمسيحيةِ التي ولدت في فلسطينَ ومجموعاتٍ دينيةٍ أخرى)، ويغطي هذا العملُ المهمُ مجموعةً واسعةً من الموضوعاتِ حولَ "القدسِ العصريةِ” (وضمن النقاش حول فلسطين في العصر الحديث) بطريقةٍ ناجحةٍ جداً، وفعالةٍ. ما أحوجَنا، نحنُ العربَ والفلسطينيينَ، إلى المزيد من الأدباءِ المبدعينَ من أمثالِ نائلةَ الوعري.
وفي الختام أودُّ أن أوجه تحيتين إلى الباحثة الفلسطينية د. نائلة الوعري، الأولى من لبنان، صِنوُ فلسطينَ، لمجهودها المهم في البحث عن الوثائقِ التاريخيةِ العائدةِ إلى إثباتِ موقعِ القدسِ في التاريخِ السياسيِّ والوطنيِّ، حتى يطّلعَ الجيلُ الجديدُ على ما يقويّ ويعزِّزُ تُمسُّكَهُ بالحقِّ الفلسطينيّ الوطنيّ والقوميّ، والذي لا يملك أيُّ مسؤولٍ فلسطينيٍ، أو عربيٍّ، حقَّ التصرفِ به، أو المفاوضةِ عليه، في ثوابتِ الأمةِ. أما التحيةُ الثانيةُ، فهي تحيةٌ من القلبِ، لكلِّ من وقفَ إلى جانبِ الباحثةِ المجتهدةِ في دعمه ومتابعته لكلِّ ما يتعلقُ بهذا الإنجازِ الرائدِ.
باختصار، يمكن القولُ بأنَّ جهدَ الباحثةِ، وهدفَها الأساسَ، الذي يمثلُ جوهرَ الدراسةِ، ربما كان مُنصَبّاً على مقاومةِ التطبيعِ، بكلِّ أشكالهِ، ووسائلهِ، وفضحِ من يسعون إليه من أشباهِ العربِ والمسلمينَ، في بلادِ الشامِ وفلسطينَ، وفي كلِّ مكانٍ من العالمِ، ومن سماسرةٍ متعاملينَ مع الصهاينةِ. إنه كتابٌ جديرٌ بالقراءةِ، ونتمنى وصولَه إلى العامّة، وإلى كلِّ مهتمٍ بفلسطينَ، وقضايا فلسطينَ، لنخوضَ معاً المعركةَ المصيريةَ ضدّ المفسدينَ في الأرضِ، وأذنابِهم وكلِّ من يستسلمُ لإملاءاتهم، ويحذو حذوهم، ويسيرُ على نهجهم.

وكتب الاديب  ابراهيم ابو قديري عن الذكرى ٧٣ لرحيل عرار شاعر الأردن فقال في نص رائع 

مصطفى وهبي التل يا نبض الوطن ولسان حال الشعب وصوت المتضررين يا من ارتحلت بغصة القلق علينا وعلى الوطن... فإن كل ما شكوتَ منه وما حذرت منه وما نبهت من خطره 
قد استفحل وزاد واستشرى مع الأسف. 

... ولذا فإنني أكتفي بهذه الأبيات من قصيدتك ( العبودية الكبرى) فلعل في ذلك عبرة لمن شاء أن يعتبر :

أوَ ما تراني قد شبعت على حساب الأكثريةْ
وأكلت بسكوتاً وهذا الشعب لا يجد القليّةْ
لمّا رأيتُ الكذبَ سرَّ تفوُّق الفئة السّرية
ورأيت كيف الصدق يذهب من يقول به ضحية 
ونظرت أحلاس الوظائف سادة بين البرية 
أيقنتُ أن الألمعية في ازدراء الألمعية 
وحللت عقلي من عقال الهاجسين بحسن نية 
كم فارسٍ هو في الحقيقة عند راتبه مطية
ومدجج قاد السرية وهو قَوّاد السرية 
صمتاً فإن العيَّ في بعض المواقف شاعرية 
وتحامُق الضعفِ الهضيمِ نهاية في العبقرية

لله درك صوتاً صادقاً فلقد  شخّصتَ لنا الداءَ مبكراً... 
ولكن اللجان يا عرار لا 
تزال تبحث عن الدواء...! 
فلعلهم يوماً يهتدون. 

وكتبت د. حنان خريسات عن وثيقة تاريخية  نفيسه عن القدس :
 رسالة لسائح تركي يصف فيها القدس الشريف 
سنة 1670 م، وهي محفوظة كوثيقة في المتحف الفلسطيني (روكفلر) .

يقول فيها السائح التركي ( أوليا جلبي )  ما يلي :

" القدس بلد عظيمة ، كائنة على هضبة مرتفعة ، هواؤها عليل ، وماؤها عذب ، وسكانها نضار الوجوه ، إنها مهوى أفئدة الكثيرين من الناس ، لا من حيث قدسيتها فحسب ، بل لإقتصادياتها ووفرة حاصلاتها ايضا .تمتاز بمأكولاتها ومشروباتها ، من حيث اللون والطعم ، وصابونها الممسك ، وعطرها وبخورها ، ومباخرها النحاسية ، ومحاجرها ، وجبالها المليئة بأشجار الزيتون ، وأراضيها المغطاة بالكروم والبساتين .
فيها ثلاثة وأربعون الف كرم ، وألفا وخمس مئة منطرة قائمة في وسط الكروم ، ( هنا يقصد الاستراحات ) .
وان الاراضي القائمة بين باب الخليل والبقعة خالية من الدور والمنازل ، ومليئة بالكروم والبساتين ، وانه ما من احد من سكان القدس الا ويعيش في كرم من هذه الكروم ، شهرين او ثلاثة اشهر ، والبقعة من هذه الناحية تشبه ( باغستان ) وفيها الكثير من العلماء والاعيان والاشراف والفضلاء والرجال الذين ينتمون الى الطريقة المولوية ، ويتقاضى الواحد منهم خمسماية ( آقجة )  .. مسكوكة عثمانية .
وفيها عددا كبيرا من التجار ، وارباب الحرف ، وهؤلاء يعملون بالقول المأثور .. الكاسب حبيب الله .
وقد أعلمني جاويش زادة محمد باشا ان سكان المدينة حين عدّهم وجدهم 46000 نسمة .
ينتسبون الى مختلف الامم والطوائف ، بيد ان اكثرهم من المسلمين ، بينهم عدد من اهل الوظائف في الحرم (هنا يقصد حرم المسجد الأقصى المبارك ) ، لا يقلون عن الألف ، ويتناولون راتبهم من الذهب الذي يأتي به ( أمين الصرة ) .من الاستانة في كل سنة .
أغنياؤهم يلبسون السمور ، والقنباز المصنوع من الجوخ الممتاز ، والثياب المنسوجة من الصوف المعروف بالجلالي ، وفقراؤهم يلبسون العباءة من النوع المعروف ب ( الاجه عبا ) . والقنباز المصنوع من الجوخ العادي ، والثياب المصنوعة من الصوف الابيض ، ونساؤهم متأدبات ، يلبسن على رؤوسهن طاقيات مصنوعة من الذهب او الفضة ، ويلتففن بالملايات البيض ، ويحتذين الاحذية المقفولة المعروفة بالجزم .
وفي القدس ستة حمامات ، هي حمام ستنا مريم ، وحمام السلطان ، وحمام الشفا ، وحمام العين ، وحمام حمزة ، وحمام البطرك ، وهذا الاخير في الغالب للنصارى ، وفيها ثمانية عشر سبيلا ، يشرب منها المار والعطشان ، يهطل الثلج على جبالها ، وفيها صهاريج كثيرة ، وفيها كنيستان للأرمن ، وثلاث كنائس للروم ، وكنيسان لليهود ، وفيها مئتان واربعون محرابا ( مصلى ) للمسلمين ، وسبع دور للحديث ، وعشر دور للقرآن ، واربعون مدرسة للبنين ، وتكايا لسبعين طريقة منها . الكيلانية والبدوية والسعدية والرفاعية والمولوية . واكثرهم ذوق واهل طرق ودراويش متصوفون .
وفي القدس ايضا الفان وخمسة واربعون دكانا ، كلها مبنية بالحجارة والعقود المقنطرة ، وفيها ستة خانات عظيمة واسواق كثيرة ، منها سوق السلطان وهو اشهرها والمسؤول عن ادارة السوق هو المحتسب ويلقب بالآغا . ومن واجباته ان يحفظ سجلا يدون فيه اسماء التجار واصحاب الدكاكين ، وللسوق خان تحفظ فيه جميع البضائع والامتعة القيمة .
ومن اسواق القدس السوق الطويل تباع فيه الصحون والفناجين وآلات الطهي ، وادوات المنزل ، وسوق الحلاجين يعمل فيه الحلاجون والندافون وتجار القطن . وسوق الغلال تعرض فيه جميع انواع الحبوب والغلة ، وسوق الحرير والسوق القريب من باب السلسلة وسوق البزازين ولهذا السوق باب من حديد .
وفي القدس عدد غير قليل من الصياغ وتجار الحلى والمجوهرات . وليس على وجه البسيطة نوع من انواع الصيغة الا وفي القدس مثلها .
وجميع هذه الاسواق مسقوفة بالعقود المقنطرة ومرصوفة بالبلاط النقي .
والطريق الكائنة بين سوق الغلال وكنيسة القيامة والمسجد العمري مرصوفة بالبلاط الروماني من الحجم الكبير... ". انتهى كلامه

هذا الوصف للقدس الشريف قبل أن يكون على الخارطة شيء وهميّ اسمه (إسرائيل) بنحو ٣٥٠ سنة، وسوف تعود القدس كما كانت بإذن الله، مدينة إسلام وسلام وأمن وعلم وبركة وحضارة، رغم أنف الصهاينة المجرمين الخائبين الخاسرين، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين...