يستكمل ملتقى السلع الثقافي على صفحته الإلكترونية عرض اوراق العمل للندوة (١٥)
وتاتي الورقة السابعة للاديب د. احمد الحليسي والثامنة للاديبة نجلاء حسون. في إظهار لقيمة الادب النثري. سواء كان في القصة ام في الرواية
وتاليا نص ورقة الاديب د. احمد الحليسي
الندوة الخامسة عشرة
( الأدب النثري قصة أو رواية )
أتقدم بالشكر إلى المشرف العام للملتقى الدكتور فيصل الرفوع, وإلى الأستاذ غازي العمريين مدير الملتقى , والذي له الفضل في تأسيس هذا الملتقى , والاستفادة من النخب التربوية والأدبية لإنجاح هذا الملتقى , والشكر للزملاء والزميلات جميعا على مشاركاتهم وانجازاتهم , كما أشكر معالي الدكتورة هيفاء النجار على رعايتها لهذه الندوة .
مفهوم الرواية : هي نص أدبي طويل وقصة مكونة من سلسلة من الأحداث التي تنقسم إلى عدة فصول قد تكون مرقمة , وتحتوي على عدد غير محدد من الشخصيات الرئيسة وأخرى ثانوية مرتبطة بالرئيسية تظهر وتختفي بين الحين والآخر ويطلق على كاتب الرواية اسم روائي , فهو يستغرق سنوات عدة لاتمام كتابة روايته , ويضيف اليها الشخصيات التي يريدها , ويبني الذروة التي يراها مناسبة ’ ويستخدم ابداعه في ربط الأحداث التي تبني القصة , ويمكن أن تصنف الرواية إلى إحدى المواضيع التالية : التاريخي , والعاطفي , والنفسي , والأخلاقي , والمهني ,والديني , والغموض , والإثارة , والخيال وغيرها.
وأعجبني روايات عالمية كثيرة منها : كوخ العم توم لهارييت ستاو , والشيخ والبحر لإيرنست هيمنغواي , والبؤساء لفيكتور هيجو , والحرب والسلام لتولستوي , ومن الروايات العربية زقاق المدق و بين القصرين لنجيب محفوظ , المستنقع لحنا مينه , مدن الملح لعبد الرحمن منيف وغيرهم .
و اخترت من بين الروايات العربية موسم الهجرة إلى الشمال , للطيب صالح من السودان الشقيق, واسمه الكامل الطيب محمد صالح احمد ,أديب وصحفي سوداني , يعد من أشهر الأدباء العرب في القرن العشرين , اشتهر في الرواية والقصص القصيرة .
ولد عام 1929 في السودان وتوفي عام 2009 في بريطانيا , أطلق عليه النقاد ( عبقري الرواية العربية) .
من أعماله الأدبية : ضو البيت , عرس الزين , دومة ود حامد , خواطر الترحال , وطني السودان ... الخ .
ومن أشهر أعماله, موسم الهجرة إلى الشمال والتي نحن بصدد الحديث عنها .
نشرت هذه الرواية عام 1966 , وتعد من أفضل 100 رواية في القرن العشرين على مستوى الوطن العربي وترجمت لعدة لغات ,وتتناول الرواية في مضمونها مسألة العلاقة بين الشرق والغرب , وتتحدث عن الصدمة الحضارية بين إنسان قادم من قرية صغيرة وفقيرة في إقليم مروى في السودان , وبين حضارة غربية متقدمة في لندن , وأعتقد أن هذه الصدمة الحضارية تصيب كثيرا من الأفراد , وخاصة أهل الأطراف والأرياف والبوادي .
وهذا ما حصل مع كاتب الرواية ,الذي يتحدث بعض النقاد على أن الشخصية الرئيسية في الرواية هي شخصية الكاتب وهناك من يقول أنها شخصية أخرى لعلها تعيش نفس الظروف التي عاشها صاحب الرواية ,ولعل هذه الاقتباسات من الرواية توضح ذلك , فيقول : *"نحن بمقاييس العالم الصناعي الأوروبي , فلاحون فقراء , ولكنني حين أعانق جدي أحس بالغنى , كأنني نغمة من دقات الكون نفسه" .
*" وانتشر دم المغيب فجأة في الأفق الغربي كدماء ما بين من ماتوا في حرب عارمة نشأت بين الأرض والسماء . وانتهت الحرب فجأة بالهزيمة, ونزل ظلام كامل مستتب احتل الكون بأقطابه الأربعة " .
*" إنني أريد أن آخذ حقي من الحياة عنوة , أريد أن أعطي بسخاء , أريد أن يفيض الحب من قلبي فينبع ويثمر" .
*" ثمة آفاق كثيرة لابد أن تزار , ثمة ثمار يجب أن تقطف , كتب كثيرة تقرأ, وصفحات بيضاء في سجل العمر , سأكتب فيها جملا واضحة بخط جريء".
*" ياللسخرية ! الإنسان لمجرد أن خلق عند خط الإستواء بعض المجانين يعتبرونه عبدا وبعضهم يعتبره إلها , أين الاعتدال ؟! , أين الاستواء ؟!".
*" الرجل الأبيض لمجرد أنه حكمنا لحقبة من تاريخنا , سيظل أمدا طويلا يحس نحونا بإحساس الاحتقار الذي يحسه القوي تجاه الضعيف" .
*" الإنسان ينسى , يتناسى , يتحايل أو ينضج , أما الشاعر فيتعذب ولا يغفر أبدا " .
*" كان الشعب مثل جمهور صامت , ينظر ويتعجب ".
هذه بعض الاقتباسات من الرواية يعكس فيها كاتب الرواية عن مكنونات داخل نفسه .
كان لفن الرواية دور في توصيف البيئة والحياة التي يعيشها الإنسان في وطنه و مجتمعه وهذه قد أبرزت عادات وتقاليد سادت ثم بادت ولكنها حفظت لنا تراثا عربيا وعالميا نستمتع ونحس ونتفاعل مع أحداث التاريخ و البيئة .
وفي الختام رحم الله الروائي الطيب صالح على إنجازاته الأدبية والتي لا تزال حية في قلوب كثير من متابعيها .
كما أشكر أعضاء ملتقى السلع الثقافي على تفاعلهم و إنجازاتهم , .
وفي ورقتها الثامنة، كتبت الاديبة نجلاء حسون، عن التربوية والأدبية هند أبو الشعر، قرات فيها قصة المعطف، كنموذج نثري، وتاليا النص
هند ابو الشعر. أردنية مواليد الحصن أستاذ دكتور في التاريخ عملت في أكثر من جامعة أردنية خاصة في جامعة آل البيت
مَأعمالها الأدبية • شقوق في كَفّ خضرة، قصص، ، 1982،
. • المجابهة، قصص، (د.ن)، 1984
. • الحصان، قصص، ،1990
. • عندما تصبح الذاكرة وطناً، قص 1996
. • الوشم، قصص، 2000
. • الأعمال الكاملة (الشعر، القصة القصيرة، النصوص، المشاهد المسرحية)،
نبضُ الحدث وعزف الأحاديث
في قصة المعطف للكاتبة هند أبو الشعر
دراسة : نجلاء حسون
هند أبو الشعر مبدعة تعرف ما تريد ، وهذا ما يميز المبدع عن غيره فهو يسعى إلى أن يبعث في المألوف الدهشة ، وقصة المعطف مزدحمة بالصور المتحركة ضمن سياق درامي لتشكيل الصورة الكلية للحكاية ، وهنا لا بدّ من القول إن العمل الدرامي سواء أكان مسرحاً أو قصة قصيرة أو رواية فهو يتكون من مجموعة من الأحداث ، وليس كمّاً من الأحاديث ، وهذا ما هو واضح عند القاصة ، فقد اعتمدت تصوير الحدث تصويراً درامياً متنامياً معتمدة على رصد الحدث بلغة متّسقة تماماً مع حركة الحدث ، وهذا ما يُحسب للقاصة التي كما قلت تعرف ما تريد .
قصة المعطف قد تكون مألوفة عند الكثير من الأسر الفقيرة فهي تحكي عن عائلة الأم فيها عاجزة عن العمل ، والابنة الكبرى تعمل في مصنع ، وما تحصل عليه من أجرة يكاد لا يكفي إطعام الأسرة ، تصحو داخل الابنة الرغبة في امتلاك معطفاً ولو على حساب المصروف البيتي ، وهنا تعترض الأم ، ثم تتراجع أمام ما بداخلها من أمومة وتوافق ابنتها على امتلاك المعطف ، في النهاية تتخلى الابنة والأم عن المعطف من أجل العائلة .
تصوّر القاصة غضب الأم أمام ابنتها التي لم تقدم لها أجرة يومها بصور متحركة درامياً متلاحقة تتوافق وحالة غضبها تضع القارئ أمام مشهد درامي يتفاعل معه صورياً " اندفع الغضب إلى عينيها، تشنجت عروق رقبتها ، انطلقت مثل قطة جائعة على عصفور يتدرب على الطيران ، صكت على أسنانها المبتورة وصرخت " كل هذا الغضب الذي صوّرته القاصة لم يستطع أن يولّد عند الابنة رعباً ، بل زادها صلابة وقوة حين أخذت تتحدث بينها وبين نفسها عن صفات أمها السلبية من البحث عن المال ، وإخفائه عن العيون ، لم ترغب الابنة أن تبوح لأمها عن مصير الراتب لأنها تدرك تماما ماذا سيحصل لها من ردة فعل جنونية ، وتصف الابنة انفعال أمها من فقدان الراتب " بأن خبر وقوع زلزال يدمّر السقف الصفيح على رؤوسهم أسهل من معرفة الحقيقة " ومع توالد المنولوج الداخلي للابنة لم تتوقف الأم عن الانفعال ، ولا يغيب عن القاصة تصوير هذا الانفعال " أخذت عروق رقبتها المصفرّة تضخ الدماء بنبض عجيب " ثم انهارت ، وجلست على مقعد بعد " أن احمرّت أطراف أذنيها" ومع بكاء الأم بقيت الابنة قوية ، وأخذت تسرد أمام أمها ما وصلت إليه من أحاسيس إنسانية من حقها أن تعيشها بعد أن صحا داخلها حلم ترى من خلاله أنه آن الأوان أن تلبس معطفاً جميلاً ، ومع شعورها بالزهو بهذا الحلم الجميل واجهتها أمها بواقع العائلة لتعبّر الابنة بصرخة مبحوحة " انسكبت أحلامي على الأرضية الإسمنتية الباردة " هنا ، وقبل انطفاء الحلم تتدخل القاصة لتعيد للحلم وهجه ثانية من خلال المنولوج الهادئ للابنة أمام أمها وتعبر فيه عن رغبتها بملاقاة فتى الأحلام بمعطفها الجديد الذي شدّها حين رأته في واجهة معرض الألبسة " لماذا تعذبونني بفقركم ، بذلّ الحاجة، لن لأتخلى عنه ، سأرتديه ، سأخطر به برشاقة ،وسأقف بكبرياء أمام المرآة " هنا فقط تفجرت مشاعر الأمومة عند الأم ، ولاحظت الابنة ذلك ، وأخذت تصف ما وجدته عند أمها دون أن تدرك دوافعه " سكت النبض في عروقها ،ولم تعد نافرة ، عادت الصفرة تكسوها " هنا نرى خوف الابنة على أمها فتقرب منها معتذرة لكنها تفاجئها الأم بعبارة أعادت لها توازنها " نحن نظلمك ، وأنت شابة ، أعرف ذلك " تحس الابنة بالانهزام أمام لغة الأم الجديدة التي فسرت هذه اللغة بالاستسلام " يجلدني استسلامها المفاجئ ، يعذبني هدوؤها المذبوح " وما أن تنطق الأم بكلمة مبروك تجد الابنة أنها قد ظلمت أمها كثيراً فتطلب منها المسامحة بطريقتها الدرامية" لماذا لا تحملين نصل سكين الرفض وتذبحين أنانيتي " " سأعيده اليوم يا أمي" هذا التراجع من الابنة كان رحمة بأمها ، وبأسرتها التي تنتظر راتبها من أجل طعام وشراب ، لكن كان للأم موقف آخر لم تتوقعه الابنة بعد أن أحست الأم بأنها تظلم ابنتها من أحد حقوقها الإنسانية ، فتطلب منها أن تلبس المعطف ، وتلبة لأمر الأم تلبس الابنة المعطف ، تنظر الأم إليها بفرح غامر ، تطلب الابنة من الأم أن ترتدي المعطف فهي تعلم أن أمها لم تلبس منذ وفاة والدها ثوباً جديداً ، فكل ما تملكه عتيق حتى حزنها عتيق جداً ، ترتدي الأم وتبتسمان .
تعيد الابنة المعطف إلى الصندوق وتخاطب الأم بعبارة تختصر فيها القاصة كل عواطف الاثنتين حين تقول الابنة " هل تأتين معي إلى السوق يا أمي ، فالطقس لا يحتاج إلى معطف" هكذا أرادت القاصة أن تختم قصتها بكلمات لها دلالتها فقد رضيت الأم ورضيت الابنة رغم أن المعطف سوف بعود إلى واجهة المعرض