يستغل ملتقى السلع الثقافي، مناسبة عيد الام بهذه الاضاءات النبيلة.
فقد كتبت الاديبة هبه قندقجي، ما وجدته من بوح حول الام، في رواية الأم، للروائي غوركي، وتاليا التفاصيل
"إن للأم دائما ما يكفيها من الدموع لكل شيء_ لكل شيء! وإن كانت لك أم فهي لا بد تعرف ذلك."
كتب مكسيم غوركي رواية الأم عام ١٩٠٧ هذه الرواية التي قدمها بالمفهوم الأدبي إلا أنها كانت تحتوي المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية خلال أحداث الثورة البلشفية بأسلوب مبسط في تقديم التحليلات والنتائج دون أي إرباك للقارء
تنطلق صافرات بدء العمل في المصنع، يدوي ضجيج العمال الحاقدين على فقرهم والظلم الذي يعيشونه، فحياتهم عبارة عن عمل شاق في المصنع ، أما ما تبقى من يومهم فيقضونه بالسكر والسهر ليستطيعوا نسيان واقعهم المر ، فإذا ما فرغوا غرقوا في نوم مجهد تيقظهم بعده صافرات المصنع مجددًا.
استبدلت مشاعر العطف والحب لديهم بخشونة قاسية نابعة من طبيعة عملهم الصلبة.
رواية الأم يجسد فيها غوركي شخصية أمه العاملة بافلاسوف إمرأة لم تتجاوز الأربعين من العمر تكد وتشقى كعاملة في أحد المصانع لترجع إلى بيتها وتتجرع الويلات من ظلم زوجها السكير وتتحمل الشقاء لترعى ابنها
إمرأة عانت الويلات مع زوجها ووضعت أملها بابنها فأرادت أن ينحو منحى آخر ويسلك طريقا" مغايرا" لما سلكه والده لم تكن في البداية تعي معني السياسية ولكنها فهمت وجع ابنها و ألمه لتمتد أمومتها لاحتضان قضية ابنها فتدفع حياتها ثمنا
هذه الرواية التي تدور أحداثها عن حياة العمال و بؤسهم وفقرهم واستغلال أصحاب المعامل لهم مما أدى لسوء طباعهم وأخلاقهم ولعنف يمارسونه ضد أزواجهم وأبنائهم ويمارسونه اتجاه اتجاه بعضهم البعض
يموت الوالد لكن الأم لا تحزن لفراقه لقسوته عليها وضربه الشديد لها ، ولكن الابن الذي لم يتجاوز الرابعة عشر من عمره وجد غياب والده فرصة ليحتل مكان أبيه ويقلد سلوكه في شرب الخمرة وإساءة معاملة والدته التي ترجوه قائلة :
(يجب الا تقترب من الخمرة أنت بالذات ، لقد شرب والدك عنك وأذاقني كؤوس العذاب ، فترفق أنت بي)
يجرب كل الطرق لتفريغ طاقته وممارسة مراهقته ليكون شخصيته وأخيرا وجد طريقا مختلفا ، فهم الحياة وعرف سبب المعاناة التي يعيشها وعاشها والده قبله ومعاناة جميع العمال ، فأبعد فكرة الخمر وجاء للبحث عن أسباب هذا العذاب الذي عرفته أمه ، فانعزل في غرفته وأخذ يقرأ الكتب الممنوعة كما كان يصفها لأمه ،
القراءة في نظر غوركي هي نقطة الوعي والإدراك الأول ، فأول تغيير قام به بافل بدأ من قراءة الكتب الداعية للتغيير
ازداد ععد الكتب عند (بافل)، أصبح يعظم أمه ويبجلها
وكانت بدورها تقلق عليه عندما يقول لها : لا تقلقي يا أُماه فسأعود مُتأخراً.
كانت الأم تشعر بأن كلماته تخبأ شيئا" قويا" و جادا". وكانت قلقة جدا" وتفكر إن الآخرين يعيشون كرجال، أما هو فيحيا كراهب، إنه مُسرف في الجدية والاتزان وهذا ما لا يتلاءم وسنه.)
وكانت الأم أمية لا تعرف القراءة ولكنها تحس بأن ابنها يكرس نفسه لقضية ربما يدفع حياته ثمنا لها فشعرت بالخوف عليه وتقول " إن الدموع لا تنضب في عيون الأمهات "
بعدها نشأت صداقة بين بيلاجيا فلاسوفا وبافل فلاسوف ، لم تولد هذه الصداقة من حب الأم لابنها وحب الابن لأمه ، بل من اشتراكهم معا" في قضية تاريخية عظيمة.
فالابن فتح عيني أمه على حقيقة الأمور بل فتح عينيها على العالم والأم تؤثر على ابنها من خلال عاطفتها القوية وحبها العظيم له.
جعله حبها رحيما" وأكثر حساسية ورفقا"بمن حوله وأصبح أكثر حكمة
وتكون خاتمة الرواية بأن يدان بافل واندريه وتعتقل الأم بسبب نشاطها ولكن رغم ذلك لم تقلل هذه النهاية من حتمية انتصار قيم هؤلاء الأشخاص فقد كانوا منذ البداية يعلمون مصيرهم فقد حملت الخاتمة درجة عالية من القوة والتضحية
ومن أقوال الأم في الرواية :
(لا تخافوا شيئا مطلقا إذ لا يوجد شي أشقي وأتعس من حياتكم التي تعيشونها طوال العمر ،من يغني قلوبكم ويجفف صدوركم لن تستطيعوا مهما فعلتم أن تقتلوا روحا بعثت من جديد لا يمكن أن يخنق العقل بالدم)
( كل شيء للجميع والجميع من أجل كل شيء! هكذا أنا أفهم عملكم جميعًا! في الحقيقة إنكم جميعًا رفاق، أرواح متقاربة، أبناء أم واحدة، وهذه الأم هي الحقيقية!)
بعض الاقتباسات:
(أنا لست بِحاجة لأن أعرف كيف كان النّاس يعيشون مِن قبل، ولكنني بِحاجة إلى أن أعرف كيف ينبغي أن يعيشوا اليوم)
( إن أولئك الذين يقولون بأنّه ينبغي لنا أن نعرف كُلّ شيء هم المصيبون. إن نور العقل يجب أن يهدينا، وإذا كُنّا نود أن نمد بالنور أولئك الذين يغرقون في الظلمات، فيجب أن يكون باستطاعتنا الرّد بشرفٍ وأمانةٍ على كلّ الأسئلة، يجب علينا أن نعرف الحقيقة كُلّها، والبهتان كُلّه.)
(يجب أن يُجدد الإنسان. إذا كان جَرِبًا فَقُدهُ إلى الحَمّام، أغسله وألبسه ثيابًا نظيفة، فإنه سيشفى... ولكن كيف ننظف الإنسان من الدّاخل؟ هذه هي المشكلة)
( إنهم يخدعوننا حتّى في الله؟)
( إن المكان المُقدّس يجب أن لا يظل فارغاً، وأن نفسنا نقطة حساسة، إنها المكان الذي يسكنه الله. فإن يهجرها يشق فيها جُرحًا، وعلينا أن نكتشف إيماناً جديداً، أن نُبدع إلهًا يكون صديقًا للنّاس)
( إن الله هو في القلب ، وفي العقل، وليس في الكنيسة)
( إن النّاس ليسوا معصوبي العيون كلهم، بل هناك من يعصب عينيه بنفسه)
(نحن أول من يعمل، وآخر من يعيش)
( إنك تتكلم جيدًا، هذا صحيح، ولكنك لا تمس القلب، والشرارة يجب أن تُلقى في أعماق القلب. إنك لن تُقنع النّاس بالمنطقِ، فالحذاء لطيفٌ جدًا ولكنه شديدُ الضّيق على أقدامهم)
(إن النّاس لا يُصدقون الكلام المُجرد العاري، بل يجب أن تتألم ليُصدقوك، وأن تغمس كلماتك بالدّم)
( إنّه لجدوى لكم أن تقبضوا على اللصوص، لا أن تُطاردوا الشُّرفاء)
(إنّك لا تُصبح قسيسًا بمجرد التّطلع للأيقونات)
( الوجه مرآة النفس)
( الحياة ليست حصاناً، ولا يمكن حملها على الجري بالسياط)
( يجب أن نُسلح الرأس أولاً... ثم نسلح الأيدي بعد ذلك)
( إن أكثر النّاس مزاحاً هم أشدهم عذاباً)
( عندما تسير في الطّليعة يجب أن تقاوم حتى نفسك، يجب أن تعرف كيف تضحي بكل شيء، أن تضحي بكل قلبك، وليس بالأمر العسير أن يكرس المرء حياته لقضيته، أن يموت مِن أجلها. إبذل ما استطعت البذل، ضحِّ بما هو أغلى مِن الحياة، يتنامى بقوة أعز ما هو فيك، تتنامى حقيقتك)
(ساعدني اعطني نوعاً مِن الكُتُبِ لا يعرف أيّ إنسان طعم الراحة بعد أن يقرأها. يجب أن نضع قنفذاً تحت كُلّ جمجمة، قُنفُذاً يُحسن الوخز)
(يجب أن يسير المرء مع الحقيقة حتى ولو كان على حافة قبره)
( أيها الرِّفاق، يُقال أن الأرض تحمل على ظهرها كل أنواع الشُّعُوب؛ ولكني أنا لا أصدق ذلك، فليس على ظهر الأرض سوى شعبين، سوى عرقين لا انسجام بينهما أبداً، هما: الأغنياء والفقراء)
(إنّ أبناءنا هم قُضاتنا، وسيُحاكموننا بعدل، لأننا تخلينا عنهم في هذا الطّريق)
( يُخيل إلي إني أعرف الحياة كثيراً، وعندما اطلع عليها عن قرب، ليس في كتاب ولا في انطباعاتي الخاصة عنها، بل حين تنتصب هي نفسها أمامي)
(إنّ السّادة والفلاحين مثل القطران والماء لا يتمازجون)
( إن في الحياة لحظات طيبة نود ألا تؤمن بقذارة الإنسان وجنونه؛ لحظات، تأخذك فيها الشّفقة على النّاس جميعاً، غنيهم وفقيرهم. إن الغني أيضاً يضل الطّريق؛ إن أحدهما يُعميه الجوع، والآخر يُعميه الذّهب. فيا أيها النّاس، يا أيها الأخوة، احنوا الرؤوس قليلاً، وفكروا، ولا يُخيفنكم أن تُفكروا)
( الطيبة، قوة عظيمة)
( إن حياة الرجل الطيب أليمة، وموته يسير.. فكيف ستراني أموت!!)
(يبدو لي أننا نتسرع كثيرا" حين نقول عن إنسان ما، أنه مات. لقد ماتت شفتاه، ولكن كلماته ما برحت حية، وستظل إلى الأبد، حية في قلوب الأحياء)
(إن القليل القليل من السّعادة كافٍ لكل إنسان، ولكن ليس هناك من يتمنى هذا القليل. وإذا كانت السّعادة كبيرة، فإنها تصبح رخيصة)
( ليس لي أن أختبئ مِن وجه حقيقتي، فحقيقتي تعيش فيّ )
(عليك أن تعرف، أنت نفسك، قيمتك لا بالنسبة إلى أعدائك ، بل بالنسبة إلى أصدقائك)
(يجب أن يعرف المرء كلّ شيء، أن يعرف كيف يخاف، وأن يعرف كيف يكون شُجاعاً)
( هناك حالات يفهم فيها الأمي أكثر من المتعلم، لا سيما إذا كان هذا المتعلم يأكل جيداً)
(إن قيمة الرّجُل هي عمله الشخصي )
(خِصاماً طيباً خيرٌ من سِلمٍ رديء)
( هذه هي الحياة، نضحك في النهار خمس مرات ونبكي مثلها)
( إنك إذا أهنتني فصفعتك، وكنت أنت الذي ستحاكمني مِن أجل ذلك، فإنني سأكون أنا المُخطئ بلا شك، ولكن البادئ من هو؟ إنه أنت)
(المجتمع الذي يعتبر الإنسان أداة لإثرائه هو مجتمع لا إنساني)