آخر الأخبار

الاديب السبول في ورقتي عمل للياسين، وبني ياسين

راصد الإخباري :  


راصد - الاردن
كتب عبدالله الحميدي

سجلت ورقة د إبراهيم الياسين، الناقد والكاتب الاردني حضورها على منصة السلع

فقد كانت ورقة بحثية، تناولت " المغيب" في حياة الاديب الاردني الراحل تيسير السبول، 

ومع انها كانت خاتمة الاوراق في  الندوة (١٤) لملتقى السلع الثقافي، التي رعاها الباشا عاطف السعودي، والى حين الندوة القادمة نهاية الشهر المقبل، فقد حقق الملتقى اروع الانجازات، بالكتابة عن شخصيات عربية وعالمية، من خلال (١٦) ورقة في هذه الندوة التي انطلقت في ٢٧ من تشرين ثاني الماضي ،

فكانت ورقة القاصة ساميا بني ياسين، أيضا، فرصة لمعرفة الجوانب الاخرى في شخصية السبول، 

وتاليا نص ورقة د. ابراهيم الياسين

بسم الله الرحمن الرحيم
عطوفة الباشا عاطف السعودي راعي هذه الندوة الأكرم،
معالي الأستاذ الدكتور فيصل الرفوع المشرف العام للملتقى الأكرم،
سعادة الأخ غازي العمريين سادن الملتقى ورئيسه العزيز،
أقمار الملتقى الأفاضل،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،
تيسير السبول أديباً
أخصص الحديث في هذه الورقة عن قامة أدبية أردنية، استطاعت وبفترة زمنية محدودة أن تضع بصمات لا تُمحى على خارطة الأدب الأردني بشكل خاص، والعربي بشكل عام. فتيسير السبول على الصعيد الإنساني ولد في إحدى قرى الطفيلة في جنوب المملكة عام 1939م، وعاش في أسرة متوسطة الحال تتكون من خمسة أولاد وأربع فتيات هو أصغرهم سنًا، وكان والده يعمل مزارعًا أسوة بغيره من أسر الطفيلة ورجالاتها، أنهى دراسته الابتدائية في بلدته، وارتحل عام 1951م إلى مدينة الزرقاء بصحبة شقيقه الأكبر شوكت، وأكمل دراسته الإعدادية والثانوية هناك بتفوق رغم أجواء القلق والاضطراب والحزن جراء سجن أخيه شوكت؛ بسبب آرائه السياسية، ثم انتقل السبول بعد ذلك إلى عمّان حيث أنهى دراسته الثانوية في كلية الحسين عام 1957م، وكان من الأوائل على محافظة العاصمة، فأوفد في بعثة إلى الجامعة الأمريكية في بيروت، لكنه ترك بعثته واتجه إلى دمشق لدراسة القانون، وتخرّج في جامعتها عام 1962، وعمل في دائرة ضريبة الدخل، ثم ترك العمل الحكومي وبدأ بالتدرّب في مكتب المحامي صليبا الصناع، ، ثم قطع تدريبه وسافر مع زوجته الدكتورة مي اليتيم التي أنجب منها طفلين: عتبة وصبا إلى البحرين للعمل فيها، ثم انتقل إلى السعودية وعاد إلى الأردن عام 1964م وأكمل تدريبه. فتح مكتباً للمحاماة في الزرقاء، ثم أغلق مكتبه وعمل في الإذاعة، واستمر يقدّم برنامجه الإذاعي "مع الجيل الجديد". وقد رحل تيسير عن الدنيا في وقت مبكر عام 1973م عن عمر يناهز 36 عاماً، سائلا الله تعالى له الرحمة والمغفرة.
وأمّا على الصعيد الأدبي والإبداعي، فقد كان تيسير أديباً متميزاً ترك خلفه إرثاً إبداعياً ثميناً تمثّل في ديوان شعري بعنوان "أحزانٌ صحراوية"، ورواية بعنوان "أنت منذ اليوم.." ومجموعة قصصية قصيرة "كصياح الديك" و"الهندي الأحمر". بالإضافة إلى عدد من المقالات النقدية والأدبية، وقد جمعت كلّها في كتاب كامل سمي بـ" الأعمال الكاملة لتيسير السبول". وسأتحدّث بعجالة سريعة نظراً لضيق الوقت عن ديوانه أولاً، وروايته ثانياً.
        كان تيسير مسكوناً بأحزان ممتدة متلاحقة لا تنتهي، إنّها أحزان مجدبة، وقاحلة، وموجعة ليس فيها إلاّ الإعياء والألم، وقد جعلته يشعر بأنّ قلبه قد صار يباباً، وأنّ عمره أصبح "شتاء دائماً" أو "محض فكرة" أو "مجرد سراب"؛ فصار يعيش جسداً بلا روح، ويتمنى أن يأتي الموت اليومَ قبلَ غدٍ؛ لأنّ الأيام لم تُره مسرّة واحدة يفرح بها؛ حيث عاش حياة صعبة وقاسية، وتغرّب عن أهله ووطنه، وفقد الحبّ والمودّة، وخسر الأنيس والصديق، ومات بعض أهله وأحبّته، وأصيبت أمّته بانكسارات وانهزامات موجعة. 
وكلّ هذه الأسباب والبواعث الخاصة والعامة جعلته متعباً يائساً وتائهاً. فهو بحق شاعر الحزن والألم. وإنّ حزنه لم يكن شخصياً فحسب، بل كان حزناً جمعياً إنسانياً، وقد عبّر عنه من خلال الألفاظ الموحية، والتراكيب القوية، والصور الحسية، والرموز الفنية، التي تجسّد واقعه، وتصوّر نفسيته. 
ومن أهم أسباب حزنه وألمه الهزائم المتكررة التي لحقت بالأمة العربية، والنكبات التي اجتاحتها بدءاً من نكبة فلسطين عام 1948م، ومروراً بفك الوحدة بين مصر وسوريا عام 1961م، وانتهاءً بنكبة حزيران عام 1967م، حيث يقول:
فرسُ الهزيمة، ليس غَيره
عشيةَ امتقع النهارُ بذلِّ شعبي
والليلُ أطبق.
دع عنك ما يهذي الجَهولُ
وما يلفِّقه المخاتلْ
الأمرُ في عينيّ ماثلْ، 
الريحُ مثقلةٌ هوانْ
تمضي مع الأبناء والأحفاد
تسري في الزمان
ولعلّ ما يميز موضوع الحزن عند السبول هو تلك الغنائية، التي صاغ بها الشاعر ذلك الحزن، والمعتمدة على اللفظة المعبّرة، والجملة الموحية، والصورة المكثّفة؛ والرمز الفني؛ فقد سخّر السبول كلّ طاقاته المتاحة، فجاءت ألفاظه وتراكيبه ملائمة للمعاني، التي عبّرت عن مأساته العميقة، وحزنه الشديد، فثمة ألفاظ مثل: (الأسى، والألم، والسأم، والشجن، والموت، والفقد، والضياع، والتيه، والتشرد، والهزيمة، والانكسار، والاغتراب، والوحدة، والصمت، والسراب، والضجر، والكلال، والقلق، واللهاث، والنشيج،....).
وثمة تراكيب معبّرة مثل: (عمري شتاء، وروحي الجديب، وآلام الصليب، وأكبد تحترق، وأعصاب ممزقة، وشطآن السآمة، تخنقني أصابع الندم، وشريحة من الألم، وضميري المعذّب، وحرارة الدموع، وإبر الحزن، ووا أسفاه، ووا فجيعتاه، ووا حسرة الغريب، ووا خيبة المسار، ويزحف الموت، وعذابات عمري، وأغاني شجية، ويأكلني القلق، ويقعي الصمت،..).
وثمة صور فنية متعددة، تعكس صورة الحزن وتجسّدها، كصورة ( الليل، والمساء، والغيوم، والسراب، والريح، والشتاء، والموت، والليالي، والزمن، والقدر، واليباب، والقتام ، والسواد، وضباب التيه، والعجاج....)، وهي صور حسية تعكس سوداوية الشاعر وقتامة نفسه، وتجسّد حزنه الكبير، الذي يغلف قلبه بالسواد.
واستخدم السبول رموزاً خاصة منحها أبعاداً دلالية جديدة تنسجم مع تجربته الشعرية، وتكمن وراء تلك الرموز عوالم بعيدة لا يستطيع كشفها والإحساس بها إلاّ من  رافق الشاعر في رحلته الطويلة المتعبة، من ذلك مثلاً: الشتاء رمز اليأس والكآبة، والغيوم رمز السواد والقتامة، والسراب رمز الضياع والتلاشي، والصمت رمز الموت والوحدة، والمساء رمز الظلام والحزن، والقمر رمز النور والضياء، والربيع رمز الأمل والحياة، والغجرية رمز البساطة والفطرة الإنسانية.
وأما تيسير روائياً فقد تجلى في روايته "أنت منذ اليوم.." فالعنوان يتكوّن من جملة إسمية محذوفة الخبر؛ لأنّه متضمن في ثنايا الكلام، وعمق المعنى، وهو يتناص مع الأنشودة أو الأغنية الوطنية "أنت منذ اليوم لي يا وطني"، التي كان يرددها الجنود في معسكرات القتال، وميادين البطولة إبان فترة الاستعمار بصوت رخيم يصعد من أعماق قلوبهم إلى حناجرهم إلى أرواحهم المتعطشة للشهادة والتضحية والفداء. وفي هذا العنوان تكثيف للبعدين المكاني والزماني في الرواية؛ فالمكان هو الوطن، والزمان هو الحاضر، الذي يتمثّل في أقل تكثيف زمني وهو (اليوم)، فالوطن لا يكون، ولا يتحقق إلاّ باللحظة الحاضرة المتجسدّة في يوم أيُّ يوم؟ يوم البحث عن الذات، يوم اليقظة، يوم التحرر، يوم طرد المستعمر، يوم تحويل الواقع الضعيف إلى واقع قوي، يوم تحويل الهزائم إلى انتصارات متلاحقة. وهنا لا بدّ من طرح السؤال الآتي: ما مغزى أن يكون وطنك لك منذ اليوم؟ كما أننا يمكن أن نفهم العنوان بصورة أخرى وهو أنّ الكاتب يخاطب الإنسان العربي ابن العربي، المنشغل بهموم أمته وشعبه ووطنه، ويذكّره بأنّ وجوده سيكون اعتباراً من اللحظة الحاضرة المتجسّدة في كلمة "اليوم"، وهو يوم شدّ المئزر، والنهوض من جديد كطائر الفنيق؛ لتبديد ظلمة الماضي؛ كي يحلّ نور الحاضر، وإنّ ذلك لم ولن يكون إلا بطرد المستعمر، وتحرير الأرض والإنسان على نغمة النشيد الوطني المحفز للهمم "أنت منذُ اليومِ لي يا وطني". فأنت أيّها العربي ابن العربي المخاطب سيد نفسك وقرارك، فما الذي ستفعل في هذه النفس الآمنة في هذا الوطن؟ وأي قرار ستتخذ؛ لتكون جديراً بوطن هو لك منذ الآن..؟ في الماضي كان الاستعمار، والدمار، والجلاء، والتهجير، والتشريد... وهذا هو اليوم الأول بعد هذا كله فماذا أنت فاعل من أجل نفسك ووطنك وأمتك وشعبك؟ بهذه الهمة التي ينشدها تيسير في روايته سنجعل المستحيل ممكناً، والدمار عماراً، والفرقة اتحاداً، والضعف قوة، والهزيمة انتصاراً. ويصبح الوطن لك عندما تقضي عمرك في الدفاع عنه في ساحات القتال، وفي محاربة المفسدين. 
يقول: "في حزيرانَ في العاشرِ من حزيرانَ هبطتُ إلى نهرِ الأردنِ لأرى ما الذي حدثَ لبلادي... وقفتُ على آخرِ نقطةٍ صالحةٍ للوقوفِ في الجسر. الآنَ أعرفُ أنّني أبحثُ عن آخرِ شبرٍ مما تبقى وطناً لي. وكنتُ حريصاً أن أقفَ على آخرِ جزءٍ يمكنُ الوقوفُ عليه." ص93
لقد عاين تيسير أوضاع شعبه ووطنه، وكان مسكوناً بهموم أمّته العربية، رافضاً لواقعها المؤلم؛ لما أصابها من هزائم ونكبات وانكسارات متلاحقة بدءاً من نكبة فلسطين عام 1948م، ومروراً بفك الوحدة بين مصر وسوريا عام 1961م، وانتهاءً بنكبة حزيران عام 1967م ، ورأى أنّ أمور الأمة قد ساءت منذ زمن بعيد، وأنّها لم تكن حسنة في يوم من الأيام، وكان لا بدّ لها ومنذ وقت مبكر أن تبحث عما يُسميه الكاتبُ "باستراتيجية النصر" ص79 لنكتب لأنفسنا تاريخاً جديداً مرصعاً بحروف البطولة، وملوناً بدماء الشهداء، "في لحظةٍ واحدةٍ نفضتْ خيالَ عربي  ـ دونَ صورِـ كلُّ مذلاتِ تاريخهِ. ألفَ ألفَ مرةٍ دُهِمَ هذا الجسدُ.. ومرّتْ فوقَهُ الأقوامُ وركلتهُ...لقد آنَ لكلِّ هذا أن ينتهي، كما تنتهي حقارةٌ أخرى. قد يكون شعبي أحمق، وقد يكون أنّ شعبي ذُهِلَ لهذا الحدِّ وهم يضربونَه، وظنّ أنّ الأمرَ كلَّه لا يُصدّق. وقد تكون مسألةً شخصيةً بحتةً لمواطنٍ واحدٍ عكفَ على نفسهِ محاولاً أن يفهمَ موضعَه من التاريخ".
إنّ الحزن القومي، الذي سيطر على قلب الكاتب وفكره وسببته مذلات التاريخ والأحداث، التي مرّت به وبشعبه وأمته هو الذي دفعه لكتابه روايته؛ وذلك لأنّه أمرٌ يزعجه على حدّ قوله. "كانّ عربي يكتبُ شيئاً غامضاً لا يريدُ أن يسميَهُ" ولكنّه يكتبُه لانّه يزعجُه ص75. ويقول في موضع آخر: "طاف رجلٌ معظمَ بلادِ العالمِ، ورأى كثيراً من الكوارث إلاّ أنّه لم يرَ شعباً بأكملهِ يغرقُ في الحزنِ مثلَ شعبي. وبدا واضحاً أنّ هذا الشعبَ قد استحالَ كائناً واحداً ضخماً ومجروحاً يترنّحُ ببطء. ولم يكن قط ذهولٌ أبعدَ من هذا. ص96.
إنّ هذه الرواية التاريخية عكست صورة واقعية لحال الأمة العربية في الفترة الواقعة ما بين نكبة 1948م وهزيمة 1967م من الناحية السياسية والاجتماعية والثقافية، والاقتصادية، وجسّدت بصدق جارح، وسخرية لاذعة أحوال الناس، وعاداتهم وتقاليدهم، ورصدت بوعي كبير تصرفاتهم، وأفكارهم، وردود أفعالهم داخل البيوت، وفي الشوارع، والأسواق، والحدائق، والمساجد، والجامعات، والمنتديات الفكرية، ودور اللهو، وفي الإعلام، المذياع والصحف، وقد استعان الكاتب في إبراز ذلك كلّه بلغته المؤثّرة، وخطابه الممتلئ برموز وأحداث استقاها من موروثه الديني، والأدبي، والتاريخي، والشعبي.
وأنهى تيسير روايته بقوله "ليستِ المسألةُ أنّ الجنرالَ صفيرٌ كالذبابةِ، بل إنّه قذرٌ كذبابة، ولكنَّ المسألةَ في أنّه شعبٌ انتدبَ؛ ليحاربَ من أجلِّ أن يظلَّ الرنينُ الغريبُ كلمّا قالَ معلمُ التاريخ للصغار: الفترةُ الممتدةُ ما بينَ القرنين الخامسِ والعاشرِ ميلادي هي المعروفةُ باسم "عصورِ الظلمة". ص98.
فتيسير بهذا العمل الروائي الكبير يعلّمنا الكثير، ويرشدنا إلى الكثير. ويرفع بدءاً من العنوان شعاراً لما سيأتي، ومحاولة لتجاوز الماضي بكل مآسيه، ونداء لبداية حاضر مشرق تسوده العزة والكرامة. إنّه الأديب الذي أحياه إبداعه.
مع خالص الشكر والمودة لكم أيها الأعزاء

ساميا بني ياسين
وفي وقفتها مع إنعكاس الطبيعة ورمزيتها في شعر تيسير سبول قالت القاصة ساميا بني ياسين

    الشعر تجربة إنسانيّة وتعبير عن إنفعالات وعواطف، ولمّا كان الشعر كذلك كانت البيئة المحيطة بالشاعر من أولى الاعتبارات التي يؤخذ بها كمرآة تعكس صورتها على لغة الشاعر وأسلوبه؛ فاللغة مادة الأدة شعرًا كان أم نثرًا.
       ومن هنا جاءت الفكرة في طرح السؤال الآتي:
     كيف أثّرت البيئة الأردنية على لغة الشعراء الأردنيين؟ البيئة الأردنيّة في معظمها صحراويّة جبليّة، ولهذا النوع من البيئات بالذات تأثيرً كبيرًا على لغة الشاعر وألفاظه ومصطلحاته وصوره الفنية 
ورموزه، ولعلّ الصحراء في الشعر العربي منذ أن نظم الشعراء المطولات  كان لها التأثير الواضح فيه .
ولدراسة تأثير البيئة الأردنيّة في الشعر العربي جعلت الشاعر تيسير سبول موضوع البحث والدراسة؛ وهذا لأن الشاعر نشأ ترعرع في بيئة  مانوعة وشبيهة للبيئة الصحراويّة (مدينة الطفيلة). 
      تيسير سبول شاعر وأديب أردني ولد عام ١٩٣٩ في مدينة الطفيلة، وكان متنوعا يتنقل بين الشعر والنثر. 
وتعدُّ تجربة تيسير سبول الشعريّة علامة بارزة في الشعر الأردني وذلك بتأسيسه ما يسمى "بالحزن في الشعر الأردني"   حيث تجلى صدقه في شعوره بين أبيات قصائده وهذا امتداد لتأثير الطبيعة شبه الصحراويّة في الرجل، فنجد الشاعر البدويّ يتأثر بالبيئة الصحراويّة ويكتسب منها صفاته التي تتمثّل بالصدق والشهامة والشجاعة والكرم وتطغى هذه الصفات على لغة الشاعر فتطوى أبياته على هذه المعاني. 
وأيضا جزالة الألفاظ وقوتها ففي قول السبول في أبياته :
"وحشة الليل على العينين تجثم
ونداء الغاب في البؤبؤ مبهم.
غجرية
‏كعمود النار قد يتلوى
وشفاه مترعات عنجهية.
‏يا جحيم الطبل والمزمار عد بي
لعشيات العصور الوثنية
‏عبر عيني غجرية
‏رحلتي خلف مسافات قصية
خلف ما يرتاد وهم أو خيال.
غجرية
‏قدم تضرب صدر الأرض , تعلو
وتدق الأرض دقا
‏زوبعات من غبار
و دوار
‏وعروق مجهدات.
تتلظى وقد نار.
أمطريني
أمطريني
من سديم الغيب زخات سخية
ألصقيني بالتراب
‏أنا من خلف ليل المدنية
‏ظامئا لم يسقني إلا السراب.
حين تكتظ النوادي بمساخر
بدمى آلية ترقص تانجو
يزحف الموت مع التانجو صموت
تتلاشى الحيوية
بخفوت
غجرية
جثث تهوي, تموت
‏مثلما ينتفض الطير الذبيح
مثلما تعصف بالأوراق ريح
يتهاوون إذا عربد جاز.
‏أيها البوق اللعين
‏أيها الناعق في ليل جموع الميتين
ليتني أصبحت أعمى
‏وأصما
‏قبل أن شهد ليل الميتين
غجرية
‏هارب يحملني مد الدروب
قدري الأسود مجهول رهيب
وتناهى بي مطافي
‏عند عينيين هما مقبرتا كل الخوافي.
غجرية
‏أنا إن أنحر لعينيك ضحيه
ففؤادي..
‏أمطريني
‏أمطريني
‏من سديم الغيب زخات سخية
أمطريني أنت ما زلت غنية
غجرية"

‏نلاحظ قوة الألفاظ والرمز في قصيدته السابقة، وهي امتداد لطبيعته التي تنازعه عليها حضريّة الزمان والتطور . 
أما في قصيدته :
"من زمان 
من تجاويف كهوف الأزلية
 كان ينساب على مد الصحارى العربية لينا كالحلم سحريا شجيا كليالي شهرزاد يتخطى قمم الكثبان
 يجتاز الوهاد

من زمان شربت حسرة ذاك الصوت حبات الرمال مزجته في حناياها أعادته إلينا لينا كالحلم سحريا شجيا
 فكأني قد تنفست شجونه وكان الصوت في طيات صدري رجع اليوم حنينه فأراه بدويا خطت الصحراء لا جدوى خطاه موحشا يرقب آثار الطلول

من زمان غير أني كلما استيقظ في قلبي اشتياق لمزيد من تدان والتصاق كلما ضج نداء البوح في أرجاء ذاتي كلما بوغت أني اتناهى بانسراب اللحظات" 
وعند تتبع انبعاثات الصورة الفنية المتكاملة نجد أنّ الشاعر استوحى صوره من الطبيعة الصحراوية في بنية سردية جميلة تنساب للوجدان لجمال إيقاعية ألفاظها وتكامل صورها .

نهاية كلّ التقدير لراعي الندوة ولجميع القائمين عليها والمساركين فيها وللأستاذ غازي العمريين المتكرّم علينا بجهوده في المتابعة والتنظيم والإثراء.