أحال مجلس النواب مشروعي قانوني الموازنة العامة، وموازنة الوحدات الحكومية للسنة المالية 2022، الى لجنته المالية خلال جلسته، اليوم الاثنين، برئاسة رئيس المجلس المحامي عبد الكريم الدغمي وحضور هيئة الوزارة.
وأرسلت الحكومة مشروعي القانونين الى مجلس النواب في الثامن والعشرين من الشهر الماضي، اذ تنص المادة 112 من الدستور على احالة الموازنة العامة الى مجلس الأمة قبل ابتداء السنة المالية بشهر واحد على الاقل للنظر فيهما، ويتوقع ان تباشر اللجنة المالية النيابية قريباً مناقشة مشروعي القانونين مع المعنيين وعلى مدار ثلاثة اسابيع على الأقل، تمهيدا لوضع تقريرها وتوصياتها حولهما ورفعها الى المجلس.
كما وافق النواب على إحالة تقريري ديوان المحاسبة لسنتي 2019 و2020 الى اللجنة المالية.
وكان المجلس استمع الى خطاب الحكومة بشأن مشروعي القانونين، الذي القاه وزير المالية الدكتور محمد العسعس، حيث اشار الى انه لا بديل عن الاستمرار في تعزيز نهج الاعتماد على الذات، من خلال تمكين الموارد البشرية الواعدة وتزويدها بعلوم ومهارات مهنية وتقنية ترفع من ميزتهم التنافسية وكذلك الاستمرار في الإصلاحات الاقتصادية والمالية والهيكلية بهدف تحقيق النمو الشامل والمستدام، مبينا ان الموازنة الحالية هي ثالث موازنة على التوالي تلتزم خلالها الحكومة بعدم فرض ضرائب جديدة.
ولفت الى ان موازنة عام 2022 جاءت لتكون منطلقاً لبرنامج حكومي طموح يوطِّد أركان الانتعاش الاقتصادي، تم إعداده ضمن إطار شمولي يراعي التطورات الاقتصادية والسياسية ويجسد الأولويات الوطنية التي انبثقت عن التوجيهات الملكية السامية للحكومة بوضع برنامج عمل اقتصادي واضح المعالم مرتبط بمدد زمنية محددة لتنفيذه من أجل تحقيق التعافي الاقتصادي، اضافة الى تجسيد مفهوم الشراكة المسؤولة عند اعداد الموازنة من خلال الانفتاح على شركاء الحكومة في القطاع الخاص وفعاليات المجتمع المدني، في إطار الشفافية، تحقيقاً للمصلحة العليا للوطن وتعزيزاً للثقة في حاضر ومستقبل وطننا الغالي.
وتقدر الموازنة إجمالي النفقات خلال العام القادم بـ 10.6 مليار دينار، مقارنة مع 9.8 مليار دينار معاد تقديرها عن العام الجاري، فيما تبلغ قيمة الإيرادات العامة المتوقعة 8.9 مليار دينار، مقارنة مع 8.1 مليار دينار معاد تقديرها عن عام 2021، وبعجز متوقع 1.7 مليار دينار ، مقارنة مع 2.05 مليار دينار لسنة 2021.
كما تتوقع الموازنة تحقيق نمو بنسبة 2.7 بالمئة، وتُقدر المنح الخارجية بـ 848 مليون دينار، مقارنة بـ 840 مليون دينار معاد تقديرها عن 2021.
وتالياً نص خطاب وزير المالية: نه لمن دواعي السرور والاعتزاز أن أقف بين يدي مجلسكم الكريم لأعرض مشروعي قانون الموازنة العامة وقانون موازنات الوحدات الحكومية للسنة المالية 2022 والذي حرصت الحكومة على تقديمهما وفق ما يقتضيه الدستور لإتاحة الوقت الكافي لمجلسكم الكريم لمناقشتهما وإسداء التوجيهات السديدة حولهما، متطلعين لإقرارهما في أقرب وقت ممكن.
وإنني لأذكر بالتقدير والاحترام مداولات مجلسكم الكريم وتوصيات اللجنة المالية الموقرة واللقاءات الدورية لمراجعة الأداء المالي للمالية العامة والتي كانت خير عون للحكومة في إسداء التوصيات والمقترحات لتحسين الأداء المالي وتخصيص الموارد لتحقيق أهداف السياسات المالية والاقتصادية.
ويجسد المشروعان التوجيهات الملكية السامية في كتاب التكليف السامي للحكومة، ويترجمان إرادة الحكومة وعزمها على السير قدماً نحو تحقيق التعافي لاقتصادنا الوطني من الآثار السلبية لجائحة كورونا، التي مثلت امتحاناً قاسياً لمناعة الاقتصاد الأردني وللأسر الأردنية، وقدرة الحكومة على تبني السياسات واجتراح الحلول للخروج من الأزمة والتطلع للمستقبل ومواكبة المتغيرات والاستفادة من الفرص.
لذلك فإن المشروعين يعكسان السياسة المالية التي ستنتهجها الحكومة خلال السنوات القادمة، ويمثلان الإطار العملي لأولويات الحكومة، والخدمات التي ستقدمها للمواطنين، وإجراءات الحكومة للتصدي للاختلالات التي يعاني منها اقتصادنا الوطني .
في مثل هذا الوقت من كل عام نودع عاماً ونستقبل آخر، ونُقيِّم من خلال الحوار إنجازاتنا ونحدد مواطن القوة والضعف لنكون قادرين على استقبال الأعوام القادمة بالثقة والتفاؤل، متسلحين بالإيمان بعظمة هذا الوطن وقدرات مواطنيه، وبالعلم وبالخبرة التي اكتسبناها على مدار السنوات الطوال الحافلة بالتجارب القاسية والاختبارات الصعبة، والتي علمتنا أن النجاح نصيب كل مجتهد وإن طالت الأزمات وكثرت المِحن.
ويأتي إعداد هذه الموازنة في ظل مناسبة عزيزة على قلب كل أردني وأردنية، وهي مرور المئوية الأولى على قيام الدولة الأردنية، وتتشرف الحكومة أن تقدم لمجلسكم الموقر أول موازنة يُستهل بها إطلالة المئوية الثانية والتي نستشرف من خلالها رؤيتنا للمستقبل، ونؤكد من خلالها على استمرارنا في مسيرة العطاء والبناء، وتسخير كل القدرات والإمكانات وتوظيف الموارد البشرية التي حبانا الله إياها في تحقيق المزيد من الإنجازات في شتى المجالات، مرتكزة إلى الإصلاح الشامل كخيار وطني لا رجعة عنه، وهو سبيلنا لمتابعة المسيرة الهاشمية المظفرة، وتجاوز التحديات والمعيقات التي لن تثنينا عن تحقيق الرؤية الهاشمية لأردن مزدهر لجميع الأردنيين دون استثناء. لن نضعف مهما كانت التحديات، ولن تزيدنا الأزمات إلا صموداً ومنعة، سائلين المولى العون والتوفيق.
وأقتبس في هذا السياق مما تفضل به جلالة الملك المعظم حفظه الله في كتاب التكليف السامي لهذه الحكومة "نحن على أعتاب المئوية الثانية للدولة، فلا بديل عن الاستمرار في تعزيز نهج الاعتماد على الذات، من خلال تمكين مواردنا البشرية الواعدة وتزويدها بعلوم ومهارات مهنية وتقنية ترفع من ميزتهم التنافسية وكذلك الاستمرار في الإصلاحات الاقتصادية والمالية والهيكلية بهدف تحقيق النمو الشامل والمستدام".
لقد تمكنت الحكومة من تحقيق إنجازات مشهودة في التعامل مع تطورات المشهد الصحي والاقتصادي، والتصدي لتلك الآثار ومواجهتها والتقليل قدر المستطاع من انعكاساتها السلبية على حياة المواطنين ومستوى معيشتهم، وقامت الحكومة بإعادة ترتيب الأولويات على ضوء هذه المستجدات، وتحقيق الموازنة الحصيفة بين حماية الصحة العامة للمواطنين والوضع المعيشي للحيلولة دون تعمق الركود الاقتصادي بما سيفضي إلى زيادة معاناة المواطنين متوسطي ومحدودي الدخل.
وفي هذا المقام، أسأل الله أن يتغمد من فقدنا من أبناء الوطن الغالي بواسع رحمته، وأن يمنّ على المصابين بالشفاء العاجل.
وقد سعت الحكومة إلى تهيئة الاحتياجات اللازمة لمكافحة الجائحة وتوفير العناية الصحية للمصابين بما أدى إلى ارتفاع حالات الشفاء وانخفاض معدلات الدخول الى المستشفيات مقارنة بالعام الماضي وإنقاذ أرواح مواطنينا. وقد جاء ذلك مدفوعاً بنجاح الحكومة – رغم محدودية الإمكانات - في توفير المطعوم للمواطنين مجاناً ولكل من يعيش على أرض الأردن، والذي يعزى فيه الفضل بعد الله عز وجل إلى الجهود الاستباقية لجلالة الملك المفدى التي عجلت في تلبية الاحتياجات من المطاعيم، إضافة إلى تعاون المواطنين واستجابتهم في الحصول على المطعوم، بما جعل الأردن في مصاف الدول الأولى في هذا المجال في حينه.
وعلى الرغم من أن استراتيجية التعامل مع الموجة الأولى للجائحة اعتمدت على الإغلاق الكامل، وتبني مجموعة من التدابير في وقت مبكر لمنع انتشار المرض، إلا أنه ترتب عليها تكلفة اقتصادية عالية وآثاراً سلبيةً عميقةً أرهقت اقتصادنا المجهد أصلاً من تداعياتِ أزمات ٍونكباتٍ متتاليةٍ، عصفت بالإقليم خلال العقد الماضي.
لذلك، سارعت الحكومة في ترجمة إدراكها أن سرعة التعافي الاقتصادي وفتح المزيد من القطاعات الاقتصادية يعتمد على قدرتها في السيطرة على الجائحة والحد من التأثيرات الصحية الناجمة عنها. وارتأت الحكومة أن المزيد من الإنفاق على الرعاية الصحية وما يترتب على ذلك من تكاليف مالية آنيّة يمكن تحملها مع تحسن النشاط الاقتصادي، وتعويضها عبر كل دينار يدخل خزينة الدولة كنتيجة للإصلاحات المالية والضريبية واستعادة حقوق الخزينة، سيقابله تراجع الكلف الباهظة التي لن يقوى الاقتصاد على تحملها جراء تعمق الانكماش أو تباطؤ النمو وانعكاس ذلك على فقدان الوظائف وتغول الفقر الذي سيدفع ألمه وضريبته إخواننا من متوسطي ومحدودي الدخل.
وعليه، قامت الحكومة بالتعاقد سريعاً لبناء المستشفيات الميدانية المدنية والعسكرية، واستئجار مستشفيات خاصة، وتخصيصها بشكل كامل لحالات الإصابة بفيروس كورونا، كما قامت الحكومة بتوفير الأسرة لاستيعاب المرضى وتوفير الرعاية الصحية لكل من يحتاجها.
وبناء عليه، بذلت هذه الحكومة جهدها في الإعداد للتطورات المحتملة للجائحة والحد من الآثار المستقبلية غير المرغوبة والتي يصعب على اقتصادنا أن يتحملها في حال استمرار فترات الإغلاق.
ولذلك دخل الأردن الموجة الثانية وقد توفرت سبل مواجهة تبعات الجائحة ومتطلبات العناية بالمصابين وتوفر المطاعيم، وتمكنت الحكومة من تنفيذ استراتيجية الانفتاح الموضوعة بدقة متناهية، وبدأت بوادر الانتعاش الاقتصادي تظهر في الربع الثاني لعام 2021 في ضوء استعادة العديد من القطاعات لنشاطها الاقتصادي. في الوقت الذي لا زالت فيه الكثير من دول العالم مستمرة حتى الآن في فرض سياسة الإغلاق لتكافح انتشار الفيروس ومتحوراته، الأمر الذي مكن من حماية القطاع الصحي من الانهيار.
وقد حققت الحكومة إنجازاً كبيراً في فترة قياسية في مواجهة الجائحة، وتوفير الحماية الاجتماعية للفئات الأشد تأثراً والأكثر ضعفاً، وتقديم الرعاية الصحية لمن يحتاجها دون مقابل، وتقديم الدعم الاقتصادي للقطاعات المتضررة، كما حرصت الحكومة على الإجراءات الهادفة نحو توسيع نطاق المشمولين في الضمان الاجتماعي، وغيرها من الإجراءات التي مكنت من الحد من تعمق التداعيات الاقتصادية للجائحة وبلوغها مستويات خطيرة أبرزها زيادة كبيرة في معدلات البطالة، حيث تعرضت الوظائف لتهديد كبير، وحالت قرارات الحكومة المستندة إلى قانون الدفاع إضافة إلى برنامج "استدامة" دون فقدان عشرات الألوف من العاملين في العديد من القطاعات لوظائفهم، حيث يقدم هذا البرنامج مساعدة مزدوجة للعاملين والمستثمرين من خلال دعم الأجور في القطاعات الأكثر تضرراً، الأمر الذي مكن من الحفاظ على الوظائف وعدم ارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات أعلى مما وصلت إليه.
ورغم الضغوطات الكثيرة الداعمة لاستمرار الإغلاقات لمواجهة الجائحة في موجتها الثانية، إلا أن الحكومة نجحت في تقرير المعادلة الأخلاقية التي مفادها أن إبقاء الاقتصاد مفتوحاً يستلزم توفير الحماية لمواطنينا، وأن العودة لقاموس الإغلاقات مرهون بوصول المستشفيات إلى طاقتها القصوى ونفاد الأسرّة وتهديد استقرار القطاع الصحي.
ثم استمرت رحلة الحكومة في تسخير الإمكانيات والموارد على نحو غير مسبوق لتوفير الحماية ومتطلبات الرعاية الصحية والمطاعيم اللازمة للحفاظ على أسباب الحياة والاقتصاد معاً. ولنا أن نفخر في الأردن باستجابتنا الصحية والأخلاقية التي عَزَّ مثيلُها، حيث كان البرنامج الوطني للتطعيم من أكثر برامج التطعيم في العالم شفافية وحوكمة في آلية الاختيار، ومن أوائل البرامج في العالم التي شملت ضيوفنا من اللاجئين إضافة إلى توفير الرعاية الصحية وتلقي العلاج اللازم، حيث لا فرق بين مواطن ومقيم ولاجئ عندما يأتي الخطر من انتشار الجائحة. وهذا يؤكد بلا شك على أن الأردن كان وسيبقى موئلاً للقيم والشيم، وبلد الرحمة والإنسانية بكل ما للكلمة من معنى. وما قدمناه فاق بكثير ما فشلت فيه دول ذات موارد أكبر، وحُق لنا أن نفخر بذلك .
يأتي إعداد موازنة عام 2022 في ظروف اقتصادية متباينة وغير مستقرة على النطاق الدولي، حيث تتأرجح الدول ما بين الانكماش والتعافي، فالعديد من دول العالم المتقدم تحقق نمواً اقتصادياً متفاوتاً، ويتوقع أن تعود لمستوى النشاط الاقتصادي الذي كانت تحققه قبل حدوث الجائحة، أي أنها تشهد انتعاشاً على شكل حرف V، حيث شهدت الولايات المتحدة الأمريكية انتعاشاً اقتصادياً سريعاً وتراجعاً تاريخياً لمعدل البطالة، وهناك توقع لقيام الفيدرالي الأمريكي برفع مستويات الفائدة خلال عام 2022 مما قد يؤثر سلباً على مستوى التعافي في العالم كله، ومنها الأردن الذي لم يتعافى بعد، مما سيؤدي إلى ضربة سلبية يجب التعامل معها بحكمة وروية. وفي المقابل، فإن العديد من الدول النامية بدأت تشهد انتعاشاً تدريجياً وإن كان على وتيرة أقل مما تشهده الدول المتقدمة، في حين ما زالت غالبية الدول النامية منخفضة الدخل تعاني من ظروف اقتصادية صعبة عمقتها الجائحة، وتجاهد في سبيل تحقيق معدلات نمو تمكنها من التعافي، ولكنها بعيدة عن تحقيق ذلك في ضوء التباطؤ الشديد في وتيرة التطعيم ضد فيروس كورونا، وهي مهددة بحالة من الركود الطويل أو متوسط المدى. كما تشهد أسعار الأساسيات العالمية ارتفاعاً كبيراً قد يلقي بظلاله على الأسعار العالمية مما قد يشكل حالة من أصعب حالات الركود الاقتصادي المصحوب بالتضخم (الركود التضخمي).
إن سرعة التعافي الذي تنشده الدول مرتهنٌ بنجاحها في توفير المطاعيم اللازمة، حيث لن تتمكن الدول البعيدة عن هذا المسار من التعافي والعودة إلى الوضع الطبيعي.
وبالتالي، فإن أحد التصورات الذي تطرحه بعض المؤسسات الدولية المختصة حول الآفاق الاقتصادية للدول النامية يرجح احتمالية تعمق التطورات السلبية في اقتصاداتها مع توقع انتشار سلالات متحورة جديدة على النطاق المحلي وارتفاع مخاطر العدوى في حال استمرت الوتيرة الحالية البطيئة في تلقّي المطعوم وما سيترتب على ذلك من إجراءات احترازية تؤثر سلباً على النشاط الاقتصادي لدولها، فضلاً عن تأثير الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة والمواد الأساسية والغذائية الذي سيكون له انعكاسات متوقعة على تحسن النشاط الاقتصادي خاصة في الدول المستوردة للطاقة.
وعلى الصعيد المحلي، تأتي هذه الموازنة وسط ظروف صعبة ودقيقة ليست في تحدياتها الحالية وتعقيداتها أقل مما كانت عليه في بداية الأزمة. فلقد تعرض الأردن بدايةً إلى صدمة شديدة بسبب جائحة كورونا. ولأن الأردن يرتبط بعلاقات اقتصادية وطيدة مع شركائه من الدول، ويتأثر بتطورات الأحداث الإقليمية والدولية، فقد عايشنا في الأردن في بداية الجائحة عاماً لم يشهد اقتصادنا الوطني له مثيل منذ عقود من الانكماش الاقتصادي، حيث أدت موجات كورونا المتتالية إلى خسائر اقتصادية غير مسبوقة، وسجل الاقتصاد مع نهاية عام 2020 انكماشاً بنحو 1.6بالمائة، وشهدت القطاعات الاقتصادية تراجعاً واضحاً، وارتفع معدل البطالة إلى مستويات قياسية خطيرة وغير مسبوقة في تاريخ الاقتصاد الأردني منذ عقود طويلة. كما أثقلت الجائحة كاهل الخزينة في ضوء تراجع النشاط الاقتصادي والحاجة إلى تعبئة موارد إضافية للإنفاق على الصحة والحماية الاجتماعية ودعم القطاعات الاقتصادية الأكثر تضرراً.
على الرغم من هذه التحديات الكبيرة، فقد تمكنت الحكومة من المحافظة على استقرار الاقتصاد الكلي وتنفيذ عدد كبير من الإصلاحات الهيكلية المهمة والوفاء بالالتزامات الحكومية دون تأخير وعلى نحو ينسجم بشكل كامل مع طروحات الإصلاح المالي والاقتصادي وبما يتسق مع الخطاب الاقتصادي الحكومي.
كما كانت السياسة المالية ذراعاً فاعلاً للسياسات الحكومية، تمكنت من تطوير توجهاتها، وكان لها أبلغ الأثر في مواجهة العواصف التي ضربت الاقتصاد، وحالت دون تعمق الانكماش الاقتصادي، ودون الوصول إلى المستوى المتوقع له عام 2020 والبالغ سالب 3 بالمئة، حيث بلغ معدل الانكماش بالأسعار الجارية 1.8 بالمئة، وبالأسعار الحقيقية 1.6 بالمئة، وهو من أقل المستويات المسجلة مقارنة بالعديد من دول العالم والمنطقة، رغم الإجراءات مرتفعة التكلفة التي اتخذتها تلك الدول، الأمر الذي يشير إلى أننا استطعنا من خلال السياسة المالية والإجراءات الحصيفة التي اتخذتها الحكومة، تعزيز صمود القطاعات المختلفة والتهيئة لبوادر التعافي الاقتصادي، وتمكنّا من حماية الأردن من انعكاسات أكثر سوءاً ومنها ارتفاع أكبر للدين العام، حيث كاد أن يكون الانكماش أكثر عمقاً، وأثره أشد على كل بيت أردني، وتداعياته على البطالة أكثر حدة، وانعكاساته على الدين العام والتصنيف الإئتماني سلبية، ما كان سيرفع تكلفة الإقتراض ويحدّ من فرص الحصول على التمويل.
في الوقت الذي كشفت فيه الأزمة عن مرونة الاقتصاد الأردني وقوة دعائمه الأساسية، تسانده قيادة حكيمة وعوامل الأمن والاستقرار، ولكنها في المقابل عززت قناعتنا بأن اقتصادنا يحتاج إلى جراحات عاجلة وعميقة وغير سهلة لمعالجة اختلالات هيكلية مزمنة تأخرت معالجتها، ساهمت في تعميق حدة التأثر بتداعيات الجائحة. وهذه الاختلالات تراكمت عبر سنين طوال أدت إلى تراجع تنافسية الاقتصاد الأردني بسبب ارتفاع كلف الإنتاج، وضعف تحصيل الإيرادات بسبب انكماش القاعدة الضريبية ومنح استثناءات وإعفاءات، وتعدد المناطق الجغرافية ضريبياً دون جدوى اقتصادية، ومحدودية الإنفاق الرأسمالي، وارتفاع المديونية، وتنامي تكلفة خدمتها بشكل استنزف جانباً كبيراً من النفقات العامة، إضافة الى ارتفاع معدلات البطالة التي تمثل الجانب القاتم من مسيرة اقتصادنا عبر السنوات الماضية.
ولست أشيعُ سراً إن قلت بأن أحد أهم الأسباب الكامنة وراء هذه الاختلالات والتشوهات التي لازمت مسيرتنا وتسببت بإضعاف الدور التنموي للسياسة المالية والموازنة العامة، وأدت إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وارتفاع حجم الدين العام، والاعتماد المتزايد على المنح الخارجية، وارتفاع عجز الموازنة، وقصور الإيرادات المحلية عن تغطية النفقات الجارية، يرجع إلى التهرب والتجنب الضريبي والجمركي الناجم عن الخلل في التشريعات الناظمة للعمل الضريبي، من حيث تعدد النصوص التشريعية الضريبية وتعدد الإدارات الضريبية التي أوجدت حالة من الانقسام والضعف في العمل الضريبي وشكلت حافزاً للتهرب والتجنب الضريبي، وكبدت الخزينة خسائر كبيرة جراء ذلك، وأضرت بالإستثمار وأخلت بمفهوم العدالة الضريبية لغياب عدالة المنافسة بين من يؤدي واجبه الوطني من ضريبة ومن يتهرب، في حين تعرضت سياسة محاربة التهرب الضريبي والجمركي لحملات التشكيك والتشويه جراء تنفيذ الإصلاحات الضريبية والجمركية. وما قامت به الحكومة من محاربة للتهرب الضريبي والجمركي أثبت للجميع أن لا أحد فوق القانون، لذلك كان لا بد من مواجهة صريحة وإجراءات مدروسة، لأن التردد سيعمق هذه الاختلالات، ويؤثر سلباً على مصداقية الحكومة أمام المواطنين، التي تضررت فعلاً جراء الممارسات التي منحت إعفاءات بمئات الملايين من الدنانير، في حين أخضعت السلع الأساسية للضرائب، وأخلّت بالعدالة الاقتصادية والاجتماعية، وتحيزت ضد الفقراء ومتوسطي الدخل، لذلك فإن من واجب الحكومة معالجة مختلف مظاهر الخلل وفقاً للأولويات، وفي ضوء آليات محددة وبرامج زمنية واضحة رغم صعوبة إعادة التوازن الضريبي والسياسة المالية.
لقد أظهرت لنا الأزمات المالية والاقتصادية والتداعيات الناجمة عن الجائحة، وما تضمنته من دروس وعبر، أنه لا بد من التعامل مع واقع الاقتصاد الأردني من خلال رؤية واضحة وموضوعية، مفادها أن نموذج الاقتصاد الأردني لا يمكن صياغته اعتماداً على نماذج اقتصادية تعتمد على وفرة الموارد والثروات الطبيعية أسوة بدول أخرى حباها الله بذلك. فنموذجنا الوطني لا بد أن يكون واقعياً وبعيداً عن الأوهام والأمنيات، يهدف إلى توفير المستوى المعيشي الكريم لمواطنيه ضمن مبادئ العدالة وتكافؤ الفرص وضمن إطار الحوكمة الرشيدة والشفافية والمساءلة، يرتكز إلى المزايا التي يتمتع بها وفي مقدمتها الموارد البشرية المتميزة، ليكون الحاضن لهذه الموارد البشرية التي تعتبر المصدر الأساسي للنمو الاقتصادي، يحرص على دعمها وتطويرها وإعدادها عبر برامج التعليم والتدريب للدخول إلى سوق العمل في المجالات التي ينافس فيها، وتحفيزها على الإبداع والابتكار، وتوفير البيئة المناسبة لتأهيلها والتزود بالقدرات والمهارات التي تحتاجها لسوق العمل المرتكز على المعرفة، وتمكنها من إطلاق العنان للأفكار والمشاريع المبتكرة، بحيث يتمكن الشباب الأردني المتميز من تصدير المعرفة عوضاً عن تصدير العنصر البشري، في عالم أصبح مترابطاً خدماتياً بفعل التكنولوجيا، حيث سرّعت الجائحة من هذا الترابط.
إن اقتصادنا قد اقترب أكثر من أي وقت مضى من الاعتماد على ذاته، حيث تشكل الإيرادات المحلية نحو 88.4 بالمائة من النفقات الجارية، فلا بد من تحفيز النمو الاقتصادي بقيادة القطاع الخاص على نحو يحافظ على المنافسة ويمنع الإحتكار والهيمنة، ويتم تعزيز تنافسية القطاع الخاص عبر تخفيض تكاليف الإنتاج من طاقة وعقار وعمالة وتمويل، لتشجيعه على ايجاد الوظائف وخفض معدل البطالة، وبما يفضي إلى تعزيز الموارد المحلية وايجاد موارد مستدامة من الإيرادات الضريبية التصاعدية وفقاً لنظام ضريبي يحقق العدالة الاقتصادية والاجتماعية، ومحاربة ومكافحة التجنب والتهرب الضريبي والجمركي، وصولاً إلى قاعدة إيرادات تستخدمها الدولة في تطوير البنية التحتية وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين من التعليم والصحة والنقل و غيرها.
كما لم يعد بالإمكان تبرير استثناء من يملك ولا يريد أن يقوم بواجبه الوطني من دفع الضرائب عندما تضطر الحكومة إلى فرض ضرائب استهلاكية مرتفعة، تشكل ضرائب رجعية غير تصاعدية تؤثر على الطبقة الوسطى ومحدودة الدخل أكثر من غيرها. إن ضمان نجاح التحول أعلاه هو السبيل الأساس للحفاظ على الاستقرار المالي والاقتصادي للأردن، ولن يستقر الاقتصاد الأردني ويحقق نموا يوظف طاقات شبابه المتعطش إلى فرص العمل دون مواجهة حقيقة اختلال هيكلية الإيرادات التي لم تنصف الطبقة الوسطى، عبر تركيزها على ضرائب المبيعات غير المباشرة، ولن نستطيع التعافي من هذا الداء دون التوقف عن منح استثناءات وإعفاءات أو إيجاد ثغرات ضريبية تعود بالفائدة على من يقدر على دفع الضريبة العادلة ولا يرغب بذلك. إن هذه الحكومة ستعمل لمصلحة السواد الأعظم من المواطنين، وستستمر بمحاربة التهرب الضريبي والجمركي لتوسيع القاعدة الضريبية والجمركية رغم كل الصعوبات والضغوط التي يمارسها المتهربون دون أن يساهموا في حق الوطن من ضرائب دخل واجبة ومستحقة.
لا أجدني أبالغ إن قلت إن توجهات وإجراءات السياسة المالية والاقتصادية في مواجهة الجائحة شكلت نمطاً فريداً من أنماط التدخلات والتوجهات الحكومية لعقود مضت.
فبالإضافة إلى نجاح السياسة المالية في توفير المرونة الكافية لتحقيق الإستجابة الضرورية والسريعة في تجاوز العاصفة بأخف الأضرار الممكنة، وتمكينها الاقتصاد الوطني من احتواء الصدمات التي ضربته بعمق شديد، إضافة إلى فعاليتها على صعيد إجراءات الحماية الإجتماعية والاقتصادية، فقد تمكنت السياسة المالية من تحقيق مستهدفاتها دون تحميل المواطنين أي أعباء إضافية ودون فرض أي ضرائب أو رسوم جديدة، ونجحت الحكومة في حماية المواطنين من مسلسل رفع الضرائب. وفي ضوء ذلك، فقد تمكنت الحكومة من تحصيل إيرادات محلية أعلى من المستوى المقدر في قانون الموازنة العامة لعام 2021 على الرغم من الظروف السائدة، وذلك بفضل سياسة مكافحة التهرب والتجنب الضريبي والجمركي بمؤسسية ومهنية.
ولأن منطق الأرقام يتحدث عن الإنجازات، فقد أظهرت التحصيلات الضريبية لعام 2021 أثر الإجراءات الحكومية ونجاحها في الحد من التشوهات والاختلالات الضريبية، والتخفيف من آثار الجائحة على التحصيلات الضريبية، حيث تجاوزت الإيرادات المحلية لعام 2021 والبالغة 7301 مليون دينار المستويات المقدرة لها في ذات العام، على الرغم من الظروف الضاغطة التي فرضتها تداعيات الجائحة من ضعف النمو الاقتصادي وتدني معدل التضخم، ويعتبر هذا إنجازاً تفخر به هذه الحكومة لأنه يشكل حماية للإستقرار المالي والاقتصادي، وحماية للطبقة المتوسطة والفقيرة من رفع الضرائب والرسوم أو فرض ضرائب ورسوم جديدة .
وفي هذا الإطار، فقد أبدى بعض النواب في مثل هذا الوقت من العام المنصرم قلقهم المشروع من إمكانية تحقق الفرضيات التي استندت إليها موازنة عام 2021 المتعلقة بتحصيل الإيرادات المقدرة في القانون، فأود أن أزف لهم البشرى بأن الحكومة أوفت بالتزامها في موازنة عام 2021 وتمكنت عبر محاربة التهرب والتجنب الضريبي والجمركي من تحصيل الإيرادات المقدرة وقبل انتهاء السنة المالية دون رفع الضرائب والرسوم الجمركية. وهذا في الواقع نجاح يسجل لإستراتيجية الحكومة في تجاوز تداعيات الأزمات وتحسين الإستقرار المالي من خلال: فرض سيادة القانون، وتطبيق الإصلاحات، وتعزيز العدالة، وتوظيف التكنولوجيا، والإستفادة من الممارسات الدولية دون اللجوء إلى أدوات حمّلت المواطن أعباء لا يتحمل مسؤوليتها، وأساءت للعلاقة بين الحكومة والمواطن.
وأود في هذا الخصوص أن أوجه الشكر والتقدير لدائرة ضريبة الدخل والمبيعات ممثلة بمديرها العام وكوادرها على الجهود الكبيرة والمضنية التي بُذلت خلال العامين الماضيين في مجال الإصلاحات الضريبية ومعالجة التشوهات والاختلالات عبر مكافحة التهرب والتجنب الضريبي والجمركي، الأمر الذي يوفر الحماية للمواطنين ومؤسسات القطاع الخاص من المنافسة غير العادلة جراء التهرب من دفع الضرائب، ويمكن الحكومة من تحسين مستوى الإيرادات وعلى نحو مستدام دون اللجوء إلى فرض أي ضرائب أو رسوم جديدة، أو زيادة في الضرائب والرسوم السائدة كانت لو حدثت- لا سمح الله- لأثقلت كاهل المواطن.
كما أتقدم بالشكر والتقدير لدائرة الجمارك التي تشهد نقلة نوعية لتحسين مستوى الخدمات والتسهيل على المواطن والمستثمر في المعاملات الجمركية، على التضحيات والجهود العظيمة التي يقدمها كوادرها في مكافحة التهريب.
من جهة أخرى، وبمراجعة دقيقة لأداء النفقات العامة، وفي ضوء التزام الحكومة بالمخصصات المالية في قانون موازنة عام 2021، فقد بلغت النفقات العامة عام 2021 نحو 9870 مليون دينار أو ما نسبته 97.6 بالمائة من إجمالي النفقات المقدرة، على الرغم من قيام الحكومة بإعادة صرف العلاوات والحوافز لموظفي القطاع العام والقوات المسلحة والاستجابة للنفقات الضرورية والملحة لمواجهة تداعيات الجائحة، لينخفض عجز الموازنة العامة لعام 2021 بنحو453 مليون دينار ليصل إلى نحو 1729 مليون دينار أو ما نسبته 5.4 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بنحو 7.0 بالمائة من الناتج في عام 2020 . وعليه، فقد تراجع عجز الموازنة العامة لعام 2021 بنحو 1.6 نقطة مئوية مقارنة بعام 2020، علماً بأنه تم الإلتزام أمام مجلسكم الموقر في خطاب مشروع الموازنة لعام 2021 بتخفيض عجز الموازنة بنحو 0.8 نقطة مئوية، وبالتالي تكون الحكومة قد تمكنت من خفض عجز الموازنة بنحو 100 بالمائة مقارنة بما التزمت به عام 2021. وأود أن أؤكد في هذا السياق أن الحكومة نجحت في وقف الإنفاق خارج الموازنة ومنع استخدام سلف الخزينة لسداد مبالغ غير مدرجة في قانون الموازنة.
وأما العجز الأولي فقد تراجع عام 2021 بنحو 2.1 نقطة مئوية مقارنة بعام 2020، وبنحو 0.8 نقطة مئوية عن مستواه المقدر عام 2021 ليصل إلى 3.5 بالمائة عام 2021 ، أي أن الحكومة تمكنت من خفض العجز الاولي بنحو 62 بالمائة عن المستوى المستهدف. وعليه، فقد كان أداء المالية العامة عام 2021 أفضل مما كان مقدراً له، في ضوء الإنضباط المالي والإصلاحات التي نفذتها الحكومة رغم ضعف النمو وصعوبة الوضع الاقتصادي.
لقد أشرتُ في خطاب الموازنة العامة لعام 2021 إلى أن الإصلاح المالي والاقتصادي، جاء ليترجم التوجيهات الملكية السامية في كتاب التكليف السامي بتحسين الإيرادات من خلال مكافحة التهرب والتجنب الضريبي والجمركي عبر تطوير المنظومتين الضريبية والجمركية وأدواتهما، "فإني أؤكد على أن مكافحة التهرب والتجنب الضريبي والجمركي هو طريقنا لحماية المواطن، وسبيلنا الرئيس لتخفيف العبء الضريبي عنه، مهما كانت التحديات والمعيقات، ورغم الكلفة العالية التي ستواجهها الحكومة على مختلف الأصعدة في سبيل حماية الطبقة الوسطى ومحدودة الدخل".
ولذلك، فقد استندت منهجية الحكومة في الاستجابة لتوفير الاحتياجات المالية من خلال مكافحة التهرب الضريبي ومعالجة التجنب الضريبي بما يمكن من توسيع القاعدة الضريبية والحد من الإعفاءات والاستثناءات. وتتضمن خطة الإصلاحات الحكومية بشكل متوازٍ خدمة المكلفين الملتزمين ضريبياً والارتقاء بالخدمات المقدمة لهم جنباً إلى جنب مع محاربة التهرب الضريبي والجمركي، ومعالجة التجنب الضريبي ومتابعة المخالفين ضريبياً وبحيث تصبح هذه الإجراءات مؤطرة ضمن عمل مؤسسي لدائرة ضريبة الدخل والمبيعات، وقد مكنت هذه الإجراءات في تحديد الالتزامات الضريبية التي لم يتم معالجتها في السابق، وتحديد الثغرات الرئيسية المستخدمة في التهرب الضريبي.
كما حرصت الحكومة على تعزيز القدرات المؤسسية والفنية لدائرة ضريبة الدخل والمبيعات، حيث تم تعيين كادر من الموظفين المؤهلين المتميزين وتم توزيعهم على مديرية دافعي الضرائب الكبيرة والمديريات الرئيسية الأخرى، كما قامت الدائرة بإعداد برامج تدريبية لتعزيز كفاءة الموظفين الحاليين، وتبني إجراء التغييرات التنظيمية اللازمة لتحسين كفاءة وفاعلية إجراءات الدائرة.
كما قامت الحكومة بتعزيز مهام التدقيق من خلال دمج الممارسات القائمة على المخاطر وإنشاء فرق تدقيق متخصصة للقطاعات عالية المخاطر في مديرية كبار دافعي الضرائب. ويضاف إلى ذلك البدء بتطبيق نظام الفوترة الإلكتروني في عدد من القطاعات ذات الأولوية بهدف تعزيز الإجراءات الهادفة إلى تحسين كفاءة التحصيل الضريبي، والحد من التلاعب بالفواتير وتعزيز مهام التدقيق في إطار ضريبة المبيعات، وتطبيق نظام التتبع والتعقب كمرحلة أولية في قطاع التبغ لمكافحة التهرب الضريبي في هذا القطاع.
وفي هذا الصدد، أرجو أن أبين بأن تحصيلات فروقات التحقق من التفتيش والتدقيق الضريبي والبالغة نحو 700 مليون دينار في عام 2021 مردها إلى فعالية ونجاح الإصلاحات الهيكلية في الإدارة الضريبية في سد الثغرات أمام التهرب والتجنب الضريبي وليس ضمن إطار تسويات ضريبية آنية مؤقتة. وأشرت في سياق آخر، إلى أن الحكومة قامت بتعديل أسس التسويات الضريبية لتحفيز القطاعات المتأثرة للتعافي السريع وتجاوز تداعيات جائحة كورونا والمحافظة على البيئة الاستثمارية مع إعفائها من الغرامات.
كما قامت الحكومة بإعداد مشروع نظام خاص في الأسعار التحويلية للغايات الضريبية بهدف سد الثغرات في إجراءات النظام الضريبي في الاردن، والتي يستخدمها البعض في التهرب أو التجنب الضريبي وتحويل الأرباح . كما قامت بإقرار مشروع قانون معدل لقانون الضريبة العامة على المبيعات لسنة 2021، بهدف الانسجام مع الممارسات الدولية في مفهوم خضوع ضريبة المبيعات للسلع والخدمات من خلال إقرار مبدأ التوريد، إضافة إلى إجراء التعديل بما يكفل تسريع سداد رديات ضريبة المبيعات الأمر الذي يوفر السيولة للقطاع الخاص دون تأخير.
وفي سياق مماثل، قامت الحكومة بإعداد مشروع قانون معدِّل لقانون منطقة العقبة الاقتصاديّة الخاصّة لسنة 2021 بهدف توحيد الإدارة الضريبية والإدارة الجمركية لتعزيز الجهود الرامية إلى مكافحة التهرب الجمركي والضريبي دون إحداث أي تعديل على التعرفة الجمركية والمعدلات الضريبية وعدم تحميل المواطنين والمستثمرين أي أعباء أو ضرائب أو رسوم جديدة وتساهم في رفع مستوى الخدمات المقدمة للمستثمرين وسرعة إنجازها. وتجدر الإشارة إلى أن التعديلات التي تم تضمينها لمشروع القانون المعدل تمنح دائرة ضريبة الدّخل والمبيعات صلاحيّات تدقيق وتقدير وتحصيل ضريبة الدّخل والضريبة العامّة على المبيعات، والضريبة الخاصّة في منطقة العقبة الاقتصاديّة الخاصّة، كما تمكن دائرة الجمارك من تولّي جميع الصلاحيّات الجمركيّة والتحرّي والتفتيش عن الجرائم الجمركيّة وضبطها، وتحصيل الضرائب والرسوم والغرامات وبدل الخدمات المترتّبة على البيانات الجمركيّة داخل حدود منطقة العقبة الاقتصاديّة الخاصّة. وفي هذا الإطار، فإن الحكومة واثقة بأن مجلسكم الموقر سيولي هذه التشريعات العناية المناسبة آملة إقرارها لما تمثله من إصلاحات ضريبية وجمركية كبيرة.
إن النمو الذي حققه اقتصادنا الوطني في النصف الأول من هذا العام يعتبر مؤشراً على التطورات الإيجابية المرتبطة بالانحسار التدريجي للفيروس وبدء دوران عجلة الاقتصاد الوطني، وعلى حيوية الاقتصاد وقدرته على تخطي تداعيات جائحة فيروس كورونا بوتيرة أسرع مما كانت تشير إليه التوقعات، وأننا في الطريق الصحيح نحو الخروج من ضيق الانكماش الى أفق النمو والانتعاش.
حيث نما الاقتصاد بالأسعار الثابتة في النصف الأول لعام 2021 بنحو 1.8 بالمائة ومتوقعاً له الوصول الى 2.0 بالمائة في نهاية هذا العام، ليعود إلى المستوى الذي كان عليه في عام 2019 قبل الجائحة. كما تشير بيانات التجارة الخارجية إلى ارتفاع الصادرات الوطنية بنحو 16 بالمائة خلال الشهور التسعة الأولى لعام2021. كما ارتفعت الاحتياطيات من العملات الأجنبية حتى نهاية تشرين أول من هذا العام لتبلغ نحو 17 مليار دولار لتغطي احتياجات المملكة من المستوردات لأكثر من 9 شهور، كما ارتفعت حوالات الأردنيين العاملين في الخارج خلال الشهور العشرة الأولى من العام الحالي لتصل إلى نحو 2 مليار دينار. وتراجع معدل البطالة في الربع الثالث من العام الحالي إلى نحو 23.2 بالمائة مقابل 24.8 بالمائة في الربع الثاني لهذا العام بعد استقراره عند أعلى مستوى له. وعليه، يتبين أن الاقتصاد الأردني يشهد تعافياً على شكل حرف V، إلا أن استمرار معدل البطالة عند مستوى مرتفع ولمدة زمنية أطول يجعل الاقتصاد بحاجة إلى المزيد من الوقت للتعافي من خسائر الجائحة والحيلولة دون تحول البطالة الناجمة عن الجائحة إلى بطالة هيكلية مزمنة.
وفي هذا السياق، كان للتدابير التحفيزية الإضافية التي أقرتها الحكومة في هذا العام أكبر الأثر في توفير جرعات تحفيز وإنعاش إضافية للقطاعات الاقتصادية المتضررة، وتخفيف الأعباء عن المواطنين وتعزيز شبكة الحماية الاجتماعية، وتعزيز استدامة العمالة في مؤسسات القطاع الخاص من القطاعات المتضررة وحماية الوظائف ومنع استفحال معدل البطالة في مؤسسات القطاع الخاص.
وعلى الرغم من أن هذه التطورات تشكل إنجازاً حقيقياً في ظل الظروف المحلية والإقليمية والعالمية الصعبة، إلا أن هذا النمو غير كاف لخفض معدلات البطالة، لذلك فإن التحدي بات يتمثل في كيفية تعزيز هذا النمو وعكس آثاره على حياة المواطنين، الأمر الذي يتطلب تبني أساليب خلاّقة لتسريع وتيرة النمو، والتنبه لأهمية التنوع الجغرافي والقطاعي لمصادر الدخل ولسلة اقتصادنا الصغير في حجمه والمنفتح على الاستثمارات الخارجية في السلع والخدمات والتجارة العالمية، بما يخفف من تأثير التداعيات العابرة للحدود ويضمن استدامة النشاط الاقتصادي، نظراً لتأثير المتغيرات الإقليمية والدولية على نمو وأداء الاقتصاد الوطني.
وإن المتأمل في مسيرة المملكة الممتدّة على مدى مئة عام يجد أنه إذا كانت هناك حقيقة ثابتة في التاريخ الاقتصادي الحديث للأردن فهي التعرض المستمر للصدمات الخارجية، غير المقتصرة على الصدمات الاقتصادية، وإنما لموقع الأردن وسط إقليم ملتهب، رتب عليه تحمل أعباء كبيرة، هي في الواقع أكبر بكثير من إمكانياته وقدرته على تحملها.
إن ما قدمه الأردن تجاه الاستقرار الإقليمي والدولي وتجاه استضافة لاجئين على ترابه هو أكبر من إمكانياته، حيث يستضيف الأردن أعداداً كبيرة من الأخوة السوريين، بما يقارب خمس سكانه، ويتحمل إدارة هذا العبء بموارده المحدودة والقاصرة بطبيعتها عن استيعاب الطموحات لتحقيق النقلة التنموية النوعية التي نريدها ونخطط لها، فضلاً عن أن تستوعب تداعيات التطورات المتعلقة باحتياجات الأخوة اللاجئين.
وأقولها بكل أسف أن الاستجابة الدولية لاحتياجات إخواننا الضيوف من اللاجئين السوريين لم تكن لتشكل سوى جزء بسيط جداً مما تنفقه دول العالم على حماية أمنها وحدودها، وهذه النفقات كفيلة بتحويل الجانب الأكبر من هؤلاء اللاجئين إلى محرك إيجابي للنمو ورافد للتنمية والازدهار في حال استثمارها إلى جانب التنمية الشاملة في الأردن.
لقد فرضت علينا تداعيات التوترات الإقليمية والأزمات المالية العالمية والجائحة الصحية التكيف مع الأوضاع الجديدة. وقد قامت الحكومة بتحديد المشكلات والمعيقات التي تواجه القطاعات الاقتصادية، واتخذت إجراءات لمعالجة التحديات الآنية، في حين تطلّب بعضها الآخر تعديلات تشريعية لإيجاد حلول للمعيقات والتحسين والمواءمة مع أفضل الممارسات الدولية بما يمكن من الانتقال من مرحلة التكيف إلى مرحلة الانتعاش والتطوير.
وعلى الرغم من صعوبة الأوضاع الناجمة عن الجائحة، فإن لهذه الأوضاع جوانبَ أخرى مشرقةً، وإني لأقول بكل فخر أنَّ اقتصادنا قد تمكن من تحقيق نتائج إيجابية لم تحققها دول أخرى ذات إمكانيات اقتصادية ومالية كبيرة، بشهادة التقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية والتي أشارت إلى أن الأردن يعتبر من أفضل الدول التي تمكنت من السير بخطى ثابتة في تنفيذ الإصلاحات وإزالة التشوهات، إضافة إلى المحافظة على الاستقرار المالي والنقدي.
لذلك، وبالرغم من حالة التشاؤم التي تكتنف أجواء الاستثمار في العالم وحالة عدم اليقين السائدة في ظل الاضطرابات الصحية والاقتصادية، والسوداوية التي تحيط بنا، إلا أننا متفائلون بقدرتنا على توفير بيئة استثمارية تمكينية تسمح لمؤسسات وشركات القطاع الخاص من العمل بكفاءة وفاعلية لتطوير أداء اقتصادنا الوطني الذي يشهد جهودا حكومية لرفع كفاءته وفاعليته وتحسين مستوى تنافسيته. كما أشارت التقارير الدولية إلى تحسن واقع البيئة الاستثمارية في المملكة، حيث تم تصنيف الأردن عن جدارة واستحقاق في التقرير الأخير لسهولة ممارسة الأعمال لعام 2019 قبل إيقافه بأن الأردن من أكثر دول العالم تطبيقاً للإصلاحات الهادفة لتحسين بيئة الأعمال، ما يسهم في تحسين تنافسية الاقتصاد الأردني ويجعل الأردن أكثر جاذبية للاستثمار.
وقد خلصت تقارير مؤسسات التصنيف الإئتماني الدولية ستاندرد آند بورز وموديز على تثبيت تصنيف الأردن الإئتماني عند مستوى مستقر، كما رفعت مؤسسة فيتش في تقريرها الذي صدر قبل أيام قليلة توقعاتها للتصنيف الإئتماني للأردن من سلبي إلى مستقر عاكسةً بذلك الثقة بقدرة الاقتصاد على التعافي من تبعات الجائحة، على الرغم من التخفيضات على تصنيف العديد من دول الإقليم والعالم واستمرار حالة عدم اليقين، وليقدم دلالة صريحة على صلابة الاقتصاد الأردني، وتعزيز الثقة بالإجراءات الحكومية المتعلقة بتنفيذ الإصلاحات الهيكلية، ووفاء الحكومة بمتطلبات الإصلاح المالي والاقتصادي، وفعالية التدابير والقرارات الحكومية التي جنبت الاقتصاد سيناريوهات أكثر سلبية جراء الجائحة، الأمر الذي ترك أثره الايجابي لدى المؤسسات المالية الدولية والدول المانحة والمقرضة بحيث مكنتنا من الحصول على التمويل اللازم للاحتياجات التمويلية وبشكل ميسر.
وبقدر ما تكرس تقارير مؤسسات التصنيف الإئتماني الدولية الثقة في الحكومة وبقدرتها على السير قدماً في تنفيذ الإصلاحات، فإنها تشير من جهة أخرى إلى حجم التحديات الكبيرة المرتبطة بإنجاز هذه الإصلاحات المنشودة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
وإذ تؤكد الحكومة أهمية دور القطاع الخاص في الوصول إلى الهوية المستقبلية لاقتصادنا الوطني في تحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفع، فإنها لعلى ثقة كبيرة بأن القطاع الخاص على قدر المسؤولية الكبيرة المناطة به وسيتفاعل بشكل إيجابي مع التوجهات والإجراءات الحكومية واضعاً نصب عينيه المصلحة العامة إلى جانب المصلحة الذاتية.
التفاؤل والطموح والواقعية شعارنا في تحقيق ما نصبو إليه، وإيماننا راسخ بالطاقات الكامنة في اقتصادنا ومواطنينا لبناء أردن الغد الذي يضمن لشبابه فرص العمل والعيش الكريم، ولتحقيق ذلك، لا بد أن يقترن تفاؤلنا وطموحنا بسياسات اقتصادية ومالية وتجارية مُحكَمة وحصيفة تدفع نحو تمكين اقتصادنا من تجاوز المرحلة الأصعب في هذه الأزمة .
وكما تعلمون، فقد اختط الأردن نهجاً تصحيحياً شاملاً، يحمل في ثناياه إصلاحات هامة لتعزيز تنافسية الاقتصاد وتحفيز النمو وخلق الوظائف، ويساهم في بناء جسور الثقة والتعاون مع المؤسسات الدولية والجهات الدائنة، ويستمد قوته من كونه إصلاحاً وطنياً، تم وضع خطوطه العريضة وتفاصيله الدقيقة بأفكار وسواعد محلية، يسعى إلى هوية مميزة لاقتصادنا وتصويب مساره.
ووضع الاقتصاد الأردني على مسار النمو الغني بالوظائف وتعزيز نطاق الحماية الاجتماعية وتحسين مستوى المعيشة وتكافؤ الفرص لترسيخ مفهوم المواطنة والإنتماء وتعميق الهوية الوطنية، والإعتماد بدرجة أكبر على الذات وتعزيز الإيرادات المحلية عبر محاربة التهرب والتجنب الضريبي والجمركي دون تردد، والإبتعاد عن الحلول التقليدية والسهلة التي لجأنا إليها في الماضي، وكلفتنا الكثير في تراجع معدلات النمو الاقتصادي لاعتمادها على زيادة الضرائب والعبء الضريبي على المواطنين، وإضرارها بالطبقة الوسطى ثمناً باهظاً لإرضاء من يتخلف عن الوفاء بدَينه تجاه وطنه. كما أفضت تلك الحلول إلى خفض الإنفاق الإستثماري الحكومي سعياً لتحقيق الاستقرار المالي، مما أضعف مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين، إضافة إلى التحديات المتعلقة بالتخطيط المالي وخاصة على صعيد الإيرادات مما أدى إلى ايجاد متأخرات أثقلت كاهل القطاع الخاص ورفعت تكلفة خدمتها على الحكومة.
ويقتضي الواجب هنا أن أشيد بكل تقدير واعتزاز بوعي الغالبية من المواطنين الملتزمين بأدائهم لواجباتهم الوطنية ودفع ما يستحق عليهم من الضريبة والتي كان لها أكبر الأثر في تعزيز مستوى الإيرادات المحلية الأمر الذي يعزز من قدرتنا على تحقيق الاعتماد على الذات. وفي المقابل، تقتضي المسؤولية والعدل والمساءلة أن أهيب بكل من يتهرب ويتخلف عن أداء واجبه الضريبي بتأدية ما عليه من حقوق تجاه الدولة وإخوانه المواطنين وإيفاء الخزينة حقوقها، مُذكّراً أن نهج الحكومة في هذا الجانب سيرتكز إلى تطبيق القانون دون هوادة أو تراخي.
وستستمر الحكومة بتنفيذ الإصلاح المالي والاقتصادي على أسس من الشفافية والنزاهة وتحقيق المصلحة العليا للوطن ولاقتصادنا الوطني بما ينعكس بشكل إيجابي على مستقبل أبنائه، دون إغفال أن الألم الذي أصابنا بالأمس ولا زلنا نعاني منه اليوم لن ينجلي دون جراحة اقتصادية مالية هيكلية عميقة، سنجني ثمارها غداً أملاً مشرقا . ولن تقوم هذه الحكومة بتجذير أي إختلالات هيكلية عبر أوهام وأمنيات، ولن تتوانى للحظة في تجذير إصلاحات هيكلية عميقة لعلاج حقيقي للأمراض المزمنة التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم.
وضمن هذا السياق، فقد انتهت اخيرا المراجعة الثالثة للإصلاح المالي والاقتصادي الأردني الذي يعتبر من أضخم برامج الإصلاح الهيكلي من بين برامج صندوق النقد الدولي، بنجاح ودون أي تأخير رغم التحديات الهائلة للجائحة، حيث أشاد الصندوق بنجاح السياسة المالية في الحفاظ على الإستقرار المالي، وتحقيق التوازن ما بين الإستجابة الصحية والمالية لجائحة كورونا. كما أشاد الصندوق بالإصلاحات الهيكلية العميقة التي نفذتها الحكومة بهدف تعزيز النمو الاقتصادي لإيجاد الوظائف عبر خفض تكاليف الإنتاج وممارسة الأعمال للقطاع الخاص.
وتعتبر نتائج هذه المراجعة بمثابة شهادة وتأكيد على أن الأردن يسير على الطريق الصحيح للإصلاح المالي والاقتصادي، وسيكون لها انعكاسات إيجابية على جذب الإستثمار وتعزيز مركز الأردن في الأسواق الدولية، وهي بمثابة قوة داعمة للاقتصاد الوطني أمام الدول والمؤسسات المانحة والمقرضة والشركات التي تعتزم الإستثمار في الأردن في الحصول على التمويل وبكلف أقل مقارنة بدول أخرى في المنطقة، مما يساهم في خفض تكلفة الدين العام، عبر تمكين الحكومة من استبدال القروض التجارية بقروض ميسرة ذات كلف تمويل منخفضة.
إن السياسة المالية بمفهومها الشمولي لا تُختَزل بإجراءات تحصيل الإيرادات وعقد النفقات، بل يمتد أثرها في بلورة التوجهات والمفاهيم وإخراجها إلى حيز التنفيذ لينعكس أثرها على القطاعات الاقتصادية وتشكل بذلك عاملاً هاماً ورافعاً قوياً للنشاط الاقتصادي.
إلا أن التحدي الكبير الذي واجهته الحكومة في إعداد موازنة 2022 يتمثل في المقاربة بين الطموح والإمكانيات وعلى نحو يحافظ على استقرار الاقتصاد الكلي ويعزز الاستقرار المالي ويأخذ بعين الاعتبار محدودية الحيز المالي للاستجابة للاحتياجات التي تفوق بكثير قدراتنا وإمكانياتنا.
وعليه، جاءت موازنة عام 2022 لتكون منطلقاً لبرنامج حكومي طموح يوطِّد أركان الانتعاش الاقتصادي، تم إعداده ضمن إطار شمولي يراعي التطورات الاقتصادية والسياسية ويجسد الأولويات الوطنية التي انبثقت عن التوجيهات الملكية السامية للحكومة بوضع برنامج عمل اقتصادي واضح المعالم مرتبط بمدد زمنية محددة لتنفيذه من أجل تحقيق التعافي الاقتصادي. وعلاوة على ذلك، فقد حرصت الحكومة في إعداد مشروع موازنة 2022 على تجسيد مفهوم الشراكة المسؤولة من خلال الانفتاح على شركاء الحكومة في القطاع الخاص وفعاليات المجتمع المدني، في إطار الشفافية، تحقيقاً للمصلحة العليا للوطن وتعزيزاً للثقة في حاضر ومستقبل وطننا الغالي.
وفق هذه المعطيات، فقد تم تحديد الأولويات ضمن ثلاثة محاور رئيسية أطرها برنامج أولويات عمل الحكومة الاقتصادي الذي تم إطلاقه عام 2021 لتكون ركيزة من ركائز مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2022. وتتضمن هذه المحاور تحسين بيئة الاستثمار وممارسة الأعمال، وتعزيز المنافسة وتحفيز التشغيل، ودعم القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية كالسياحة وتكنولوجيا المعلومات والزراعة والصناعة باعتبارها مشاريع تؤدي إلى رفع معدلات النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل.
فعلى صعيد المنافسة، يهدف هذا المحور إلى تحسين كفاءة السوق المحلي من خلال السعي إلى تطبيق مبادئ المنافسة العادلة وسهولة الدخول وممارسة العمل في القطاعات الاقتصادية المختلفة، بما يحقق توزيعاً واستغلالاً أمثل للموارد، وبعيداً عن أي ممارسات تضر بالمواطنين وأصحاب الأعمال على حد سواء.
ستقوم الحكومة بمراجعة وتعديل التشريعات والإجراءات المتعلقة بتطبيق المنافسة العادلة ومحاربة الاحتكار باعتبارها من أهم التشريعات الناظمة للأنشطة الاقتصادية وحماية المستثمرين وأصحاب الأعمال من الممارسات المخلة بالمنافسة، بعيداً عن السياسات الحمائية التي أثبتت محدودية فعاليتها في تعزيز تنافسية الصناعات، ناهيك عن الكلف المرتفعة غير العادلة التي يدفعها المواطن ثمناً لحماية الصناعة، مع توفر بدائل أخرى لتعزيز تنافسيتها.
وعلى صعيد التشغيل، وفي ضوء تفاقم مستوى البطالة والتحديات الهيكلية التي يعاني منها سوق العمل، فستعمل الحكومة على تعزيز كفاءة ومرونة سوق العمل وتنظيم العلاقة ما بين أصحاب العمل والعمال، واتخاذ الإجراءات التي من شأنها تمكين القطاع الخاص من خلق فرص عمل جديدة، والعمل على معالجة التحديات المتعلقة بقدرة سوق العمل على توفير المعلومات الكافية عن فرص العمل المتاحة وربطها مع بيانات الباحثين عن العمل ومؤهلاتهم وخبراتهم، والتحديات المتعلقة بمخرجات العملية التعليمية. لذلك يشكل التشغيل أحد الأولويات الرئيسية لقانون الموازنة العامة لعام 2022 الذي يتضمن مجموعة من الإجراءات الهامة لدعم التشغيل حيث تم رصد مبلغ 80 مليون دينار لبرنامج التشغيل الوطن.
وأما في إطار دعم القطاعات ذات الأولوية، فستبذل الحكومة قصارى جهدها لتعزيز التعافي في القطاعات ذات الأولوية وفي مقدمتها قطاع السياحة، ولذلك قامت الحكومة برصد المخصصات المالية اللازمة لتحفيز وتنشيط السياحة والبالغة 71 مليون دينار في عام 2022 بزيادة غير مسبوقة بلغت نحو 50 مليون دينار. وإذ تشير توقعات المؤسسات المختصة بأن العودة إلى الفورة السياحية التي تمتع بها اقتصادنا قبل الجائحة تحتاج إلى سنوات عدة، إلا أن الحكومة وضعت الرهان بتحقيق ذلك بأسرع وقت ممكن نظراً لأهمية القطاع، حيث بلغ إجمالي الدخل السياحي نحو 5.8 مليار دولار في عام 2019. لذلك تسعى الحكومة إلى تسريع التعافي وتعزيز حصة المملكة من الوجهات والحملات السياحية عبر تدخلات مختلفة، حيث ستعمل الحكومة على مضاعفة الجهود الهادفة إلى تخفيف آثار الجائحة وتقديم التسهيلات المالية للقطاع السياحي لمساعدته في الحفاظ على ديمومة عمل المهن السياحية وحماية الوظائف في هذا القطاع الهام.
وفي سياق إيلاء الحكومة جل الاهتمام والرعاية لقطاع السياحة، فتجدر الإشارة إلى الاستثمار النوعي الذي قامت به الحكومة للحفاظ على ديمومة القطاع من خلال توفير البيئة الآمنة للسياحة عبر برنامج التطعيم الوطني، والذي انعكس بشكل واضح من خلال تنامي أعداد السياح إلى المملكة في مؤشر على نجاعة الإجراءات الحكومية الصحية. وفي ذات الصدد، قامت الحكومة بإنشاء مناطق خضراء في المثلث الذي يربط العقبة والبتراء ووادي رم والتي تشكل منطقة محمية للسياحة الآمنة، وستستمر الحكومة بالتعاقد مع شركات الطيران العارض ومنخفض التكلفة، الذي يعتبر عاملاً هاماً وفاعلاً في زيادة أعداد السياح وتحريك النشاط السياحي وزيادة الدخل السياحي، وستعمل الحكومة على تطوير وتعزيز المنتجات والخدمات السياحية وتحفيز استثمارات القطاع السياحي وخاصة مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص في هذا القطاع، وجعل الأردن وجهة سياحية رئيسية.