آخر الأخبار

منيف وامرؤ القيس على منصة السلع الثقافية

راصد الإخباري :  


عمان - راصد
كتب عبدالله الحميدي

في الورقة الصالة، كتب د. فواز زعرور عن ضخصية ادبية معروفة، رغم بعد المسافات، 

فيما الاديب هاني البداينه تناول في ورقته الرابعة شخصية الشاعر عبدالرحمن منيف، ذلك امرؤ القيس، البعيد، وهذ عبدالرحمن القريب، فلننظر ماذا كتبا

الشاعر منيف
ملتقى السلع الثقافي
الندوة الرابعة عشرة
شخصية أدبيــــــــــة
عبد الرحمن منيف
كاتب وروائي سعودي، عد واحدا من أبرز الروائيين العرب في القرن العشرين، مزج الأدب بالسياسة، وكتب ضد القمع واستلاب الحرية، اعتبره النقاد "مُثوّرا" للرواية، ووصف هو نفسه بالثائر الروائي.
المولد والنشأة
ولد عبد الرحمن منيف يوم 29 مايو/أيار 1933 بالعاصمة الأردنية عمان، لأب سعودي وأم عراقية، ينتمي والده إلى قرية قصيبا شمال مدينة بريدة بمنطقة القصيم، وهو من كبار تجار العقيلات الذين اشتهروا برحلات التجارة بين القصيم والشام.
الدراسة والتكوين
درس في الأردن حتى حصل على الشهادة الثانوية، ثم انتقل إلى بغداد والتحق بكلية الحقوق عام 1952، لكنه طرد منها بسبب نشاطه السياسي، فانتقل إلى القاهرة لإكمال دراسته بها، ثم غادر إلى بلغراد سنة 1958 لإكمال دراسته فحصل على الدكتوراه في اقتصاديات النفط.
الوظائف والمسؤوليات
عمل في الشركة السورية للنفط بدمشق عام 1962، وانتقل إلى بيروت عام 1973 حيث التحق بمجلة البلاغ، وعاد إلى العراق عام 1975 ليعمل في مجلة النفط والتنمية، وفي عام 1981 غادر العراق إلى فرنسا ليعود إلى دمشق عام 1986 ويقيم فيها حيث كرس حياته للكتابة الأدبية.
التوجه الفكري
يصنف عبد الرحمن منيف واحدا من كتاب اليسار العربي، وقد انضم لحزب البعث العربي الاشتراكي أيام كان طالبا بالعراق ونشط فيه، فتسبب ذلك في طرده من العراق بعد توقيع حلف بغداد 1955.
وصف نفسه بالثائر الروائي، وظل واحدا من أشد المفكرين المناوئين لمعظم الأنظمة العربية، واعتبره الكثير من الدارسين منفيا سياسيا بسبب كتاباته التي انتقد فيها النظام السعودي، إلا أن الكتب التي سببت ذلك عرضت فيما بعد بمعرض الكتاب بالرياض، الذي تنظمه الحكومة السعودية.
ورغم معارضته الشديدة لنظام الرئيس العراقي صدام حسين، فقد ظل رافضا للغزو الأميركي للعراق سنة 2003 ولكل ما ترتب عليه، كما بقي إلى آخر أيامه معارضا "للإمبريالية العالمية".

التجربة الأدبية
عرف بغزارة إنتاجه الأدبي، ووصفه النقاد بأنه قدم أدبا شجاعا، وكتب عن المحرمات في السياسة، وضد القمع واستلاب الحريات والكرامة الإنسانية.
عمل -كما يقول إبراهيم درويش- على تثوير الرواية، والبحث عن "ثوار روائيين قادرين علي مواجهة الاستكانة والعجز العربي" وكرَّس حياته وقلمه للتأليف القصصي الموجّه، لقناعته بدور الأدب ووظيفته في كشف عيوب الواقع العربي، وانشغل بموضوعي القمع والنفط.
تبرز الأزمة الاجتماعية في رواياته من خلال تركيزه على ظواهر اجتماعية وأنماط محددة من العلاقات المتشابكة بين مختلف الفئات الاجتماعية، وتظهر حدّتها في القمع والاستبداد ووضع المرأة واتساع الهوة ما بين الأغنياء والفقراء.
جعلته روايته "مدن الملح" معارضا للسعودية، وأحدثت روايته "شرق المتوسط" ضجة في العالم العربي، باعتبارها أول رواية عربية تصف بجرأة التعذيب الذي تمارسه الأنظمة الشمولية العربية.
الجوائز والأوسمة
حصل على عدة جوائز من أبرزها جائزة القاهرة للإبداع الروائي، وجائزة سلطان العويس بدولة الإمارات العربية المتحدة.

الإنتاج الأدبي والفكري
مدن الملح
هي رواية عربية للروائي السعودي عبد الرحمن المنيف، تعد واحدة من أشهر الروايات العربية وتتألف هذه الرواية من 5 أجزاء، لذا تُعد خماسية.
الرواية تتكلم وتصور الحياة مع بداية اكتشاف النفط والتحولات المتسارعة التي حلت بمدن وقرى الجزيرة العربية بسبب اكتشاف النفط.
أسماء مستعارة
مجموعة قصصية لعبد الرحمن منيف تشكل بداياته في الكتابة رغم أنها نشرت في أواخر حياته بعد كل أعماله الروائية المهمة وقد رفض أن يعدلها لكي تحافظ على عنصرها التجريبي.
حين تركنا الجسر
حين تركنا الجسر رواية تنتمي إلى المرحلة الأولى من أدب عبد الرحمن منيف حيث التركيز على شخصية واحدة تكون متأزمة تعيش صراعا داخليا عنيفا وهذا هو حال زكي النداوي بطل رواية حين تركنا الجسر الصياد الذي يتعقب طريدته ويعيش وراءها استرجاعا قاسيا لأخطاء حياته. الرواية عبارة عن أهجية طويلة للذات يخاطب فيها الصياد على طول الرواية كلبه وردان ويحلم باقتناص بطة ويتذكر حادثة الجسر التي ظلت غامضة حتى آخر الرواية ولكنه ترمز إلى خيبة جماعية عاشها البطل.
استعار الكاتب منيف في هذه الرواية هيكلة رواية العجوز والبحر للكاتب الأمريكي هيمنغواي إذ نجد شخصية زكي النداوي تقف تماما كنقيض لشخصية الصياد سانتياغو من حيث الثقة بالنفس وهذا التناقض هو محور القصة التي نحس فيها بقايا خيبة جيل (جيل الكاتب والبطل) عاصر الهزائم السياسية والنفسية في الداخل والخارج.
سباق المسافات الطويلة
تكشف هذه الرواية عن الواقع المر الدي تعيشه الدول العربية من جراء الفقر وقد ذكر فيها السارد نماذج للفساد السياسي الذي تعرفه الدول العربية من خلال سفر بطل الرواية. والرواية تؤرخ للصراع الإمبريالي على النفوذ في دول المنطقة بغية السيطرة على ثرواتها النفطية، وتكشف الرواية من جهة أخرى الاساليب غير المشروعة وغير الاخلاقية للبريطانيين والأمريكيين في صراعهم من اجل إحكام السيطرة على منابع النفط وعلى الحكام الذين انشغلوا بملذاتهم ومغامراتهم الشخصية واهملوا مصالح شعوبهم التي ترزح تحت نير الفقر والحرمان. وتمثل شخصية بيتر ماكدونالد في الرواية نموذجا للاساليب اللاأخلاقية التي اتبعها البريطانيون للمحافظة على مصالحهم المهددة من القادمين الجدد إلى المنطقة (الأمريكيين).
و يمكن القول ان (سباق المسافات الطويلة) تعد انموذجا لأدب ما بعد الكولنيالية. وهذا الأدب يحاول أن يكشف زيف خطاب القوى الاستعمارية الذي ينطلق من نظرة استعلائية مفادها ان الشعوب الشرقية بصورة عامة لا تمتلك المؤهلات الحضارية لإنتاج مجتمعات مدنية، ومن ثم هي لا تستطيع ان تحكم نفسها بنفسها، وهكذا يكون الزعم بأن مثل هذه الشعوب بحاجة إلى وصاية من الدول الأكثر تقدما ورقيا. ويبدو أن هذه الرواية تلتقي في مضمونها مع الافكار التي ساقها المفكر الكبير ادوارد سعيد في كتابه المهم(الاستشراق)الذي فضح فيه زيف الصورة التي رسمها الغرب للشرق والشرقيين، وذكر ان صورة الشرق التي تظهر في ادبيات الغربيين وكتاباتهم هي صورة مبتكرة لا تمت إلى الواقع بصلة، وانها لا تعدو ان تكون اختراعا غربياً.

النهايات
رواية لعبد الرحمن المنيف ظهرت لاول مرة عام 1977 تناولت المجتمع البدوي في قرية على تخوم الصحراء وصورت عاداتهم ووسائلهم للاستمرار في الحياة كما أنها رسمت خطوطا عريضة لعلاقة القرية بمحيطها الصحراوي وبالمدينة.
تميزت بالتقشف اللغوي الشديد الذي كان مقصودا فجميع الأحداث تدور في كنف القحط الذي تعيشه قرية الطيبة وكيف تتعامل معه هذه القرية البائسة.حملت الرواية كذلك نقدا لاذعا للسلطة المركزية المشار اليها بالمدينة لعدم ايفائها بوعودها تجاه القرية ببناء سد لحمايتها من غائلة سنوات الجفاف.كما أنها صورت شخصيات قروية نموذجية لعل أهمها شخصية الصياد عساف الذي كانت أقدار القرية بين يديه في سنين القحط. ومثل روايته شرق المتوسط لم يضع منيف روايته تحت أطر تاريخية أو جغرافية محددة فالطيبة هي وسيلته للتعميم. عرفت هذه الرواية نجاحا كبيرا على مستوى القراءة حيث انها عرفت 11 طبعة حتى عام 2004 ورصدتها الكثير من الأقلام بالنقد ويقول عنها علي الراعي:"رواية النهايات رواية البادية بامتياز هي شهادة بدوي يعرف الصحراء والمواسم والخصب والمطر والقحط والحيوان والنبات والطير." ويقول جبرا إبراهيم جبرا:" كيفما تقرأ هذه الرواية فأنت باستمرار تتحرك في خطوط تتوازى فيها الوقائع والرموز. انها مرثية عميقة الأنغام للجنة التي بقيت حاضرة في أذهان القرية."
شرق المتوسط
تعد من الروايات السياسية الرائدة فقد تطرقت بكل جرأة لحال المعارضة السياسية في بلدان الشرق الأوسط دون تحديد أسماء أو ذكر لمدن وذلك من خلال سيرة مصغرة لمعارض سياسي مثقف. كما تميزت الرواية بتقنيات روائية حديثة اعتبرت من أول الروايات التي أسست لجيل روائي ما بعد نجيب محفوظ.

عالم بلا خرائط
عمل روائي جمع رمزين من رموز الكتابة الروائية العربية الحديثة هما عبد الرحمن المنيف وجبرا إبراهيم جبرا حيث تظافرت تجربتهما ومواهبهما لترسم عالما روائيا متخيلا بالكامل ولكنه كان عالما ثريا وفريدا مشحونا بإسقاطات سياسية وفنية تجعله في قلب العصر.
أرض السواد
ثلاثية روائية لعبد الرحمن منيف تطرقت لتاريخ العراق الاجتماعي والسياسي خلال القرن التاسع عشر ركزت بالأساس على تفاعلات الشخصية العراقية مع الأحداث العالمية الكبرى آنذاك.

الآن..هنا أو  شرق المتوسط مرة اخرى
رواية ننتمي إلى أدب السجون عبر فيها عبد الرحمن المنيف عن وضع سياسي محتقن تعيشه شعوب العالم العربي ويقع ضحيته ثلة من شباب الوطن المتحمسين للحرية.وهي تواصل رحلة عبد الرحمن منيف في سجون العالم العربي بعد رواية شرق المتوسط التي نشرها قبل 15 عاما وكأنه يقول أن مرور الزمن في هذا المكان من العالم ليس له تأثير على العلاقة بين السلطة والمواطنين. وكما في شرق المتوسط فالمكان والزمان غير محددين بل انهما مموهان حيث يخترع منيف دولتين (عمورية وموران) هما صورتان لواقع تعيشه شعوب الوطن العالم العربي عامة.
عروة الزمان الباهي
عمل روائي لعبد الرحمن منيف ذو طابع رثائي بيوغرافي تناول شخصية صديقه محمد الباهي. محمد الباهي هو صحفي من أصل موريتاني واسمه الأصلي محمد فال اباه بن الننيه. بدأ استخدام اسم محمد الباهي إبان تقدمه إلى مسابقة في جريدة العلم المغربية، ليصبح محررا بها.
تنقل الباهي في حياته بين المغرب، لبنان وأخيرا فرنسا، حيث أقام بها حتى وافته المنية في فبراير عام 1996. عرف الباهي بكتاباته الصحفية القوية التي اعتمدت على تحليل الأحداث ومحاولة توقع الآتي على عكس التقارير الصحفية الإخبارية. كما أنه حفظ القرآن في سن صغير بالإضافة إلى الشعر الجاهلي حيث كان من أفضل من أداه شفهيا، طبقا لعبد الرحمن منيف.
قارن منيف شخصية الباهي المحبوبة وخفة دمه بشخصية زوربا اليوناني في رواية الكاتب اليوناني نيكوس كازانتزاكس العالمية ذات الاسم نفسه.
حاول منيف أن يطرق موضوعه مثل التحقيق الصحفي فمن خلال سيرة حياة الباهي تظهر ملامح الجيل كله وتفاعله مع الأحداث من حوله (السياسية خاصة) والباهي شخصية فريدة له علاقة خصوصية جدا بالمكان (الصحراء الموريتانية حيث ولد في باريس) ومن الناس وهو صاحب تجربة ثرية جدا تؤرخ لحركة النضال الوطني في المغرب العربي وللمثقف العربي في عاصمة المستعمر.
قصة حب مجوسية
قصة حب مجوسية هي رواية قصيرة لعبد الرحمن منيف مثلت بداية لمسيرته الروائية لم تكتمل فيها رؤيته الابداعية التي سوف تظهر في أعماله اللاحقة. تميزت هذه الرواية عن رواياته الأخرى بعدم معالجتها لقضايا عربية إذ كان اطارها المكاني فرنسا وسلطت الضوء على حالات شخصية شاب فرنسي عاشق. تطرق الروائي عبد الرحمن منيف في قصة حب مجوسية إلى مفهوم الحب عند عامة الشباب فكان العنصر المحوري و الذي نسج حوله حركة البطل و علاقاته الاجتماعية على أرض الواقع السردي و الذي كانت تتداخل فيه اللغة الشعرية بتأملات الكاتب الذي يأنسن الأشياء.

 وجاء نص ورقة الشاعر د. فواز زعرور، كما يلي

لو استعرضنا بنظرة عجلى أهم شعراء العربية في عصور ما قبل الإسلام، لوجدنا أن امرأَ القيس هو أهم شعراء العصر الجاهلي، وأهم شعراء المعلقات، واسمه هو (امرؤ القيس بن حجر بن الحارث بن عمر بن حجر آكل المرار ابن معاوية بن الحارث بن يعرب بن ثور بن مرتع بن معاوية)، وهو من قبيلة كندة التي سكنت اليمن، وأمه هي فاطمة أخت المهلهل وكليب، ابني ربيعة بن الحارث التّغلبي، أما اسمه الحقيقي فيُقال إنه حُندج بن حجر، إلا أنه اشتُهر باسم امرئ القيس نسبةً إلى شدته وشجاعته، وقد لُقّب بالملك الضّليل، أما عن كنيته، فكثيرة هي كُناه، منها أبو الحارث (كنية الأسد)، وأبو وهب، وأبو زيد، وذو القروح. 
قد كانت حياة امرئ القيس حياة لعبٍ ولهوٍ وطيشٍ، وكان ينتقل بين العرب مع بعض الرّجال من بني بكر وطيء وكلب لا مبالياً، فقد كانوا يغيرون على أحياء العرب ومنازلهم، ويتقاسمون ما يأخذونه منهم، وبقي على هذه الحال حتى جاءه خبر مقتل والده الذي قلب مسار حياته رأساً على عقب، فاستفاق من طيشه وانتقل إلى حياة الجد والعزم للأخذ بثأر أبيه، ولم يرض امرؤ القيس أي طريق للصلح مع بني أسد ( قبيلة قاتل والده)، فخرج إلى اليمن، فأقبل منها ومن ربيعة بجموع، أعانته على حربه عليهم فيما بعد. يتميز امرؤ القيس عن غيره من الشّعراء العرب بقدرته على ابتكار المعاني، والتّعبير عنها بطرق لم يسبقه إليها أحدٌ، فقد كانت بداية شعر الغزل على يديه، فأكثر في الوصف فيه، وأبدع في التّصوير والتّشبيه، كما كان شعره صورة واضحةً عن حياته، حيث ذكر فيه تاريخه وحياته ولهوه وصيده، وحزنه على مقتل والده، كما أجاد وأبدع في شعر المديح والهجاء، فكان يهجو من يذمه ويمدح من ينصره، ومن شعره نذكر:
 قفا نَبكِ من ذكرى حبيب ومنزل
 بِسقطِ اللوى بين الدَّخولِ فَحَومَلِ
تقول وقد مال الغبيط بنا معاً
عقرتَ بعيري يا امرأَ القيس فانزلِ
 وله أيضاً: 
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه
وأيقن أنّا لاحقان بقيصرا
فقلتُ له لا تبكِ عينك إنّما
 نحاول مُلكاً أو نَموتُ فنُعذرا 
ولد امرؤ القيس في ديار بني أَسَد بنجد ونشأ في قبيلة كندة، وهي أسرة ملوك، كأسرتي الغساسنة والمناذرة، وكانت ديارها في جنوبي بلاد العرب غربيّ حضرموت، واستقرّ آل حُجر آكل المُرار في نجد، في ديار بني أسد، نحو سنة  480م.
توارث آباءُ امرئ القيسَ السيادة على قبيلة بني أسد بنجد كابراً عن كابر، وآل الأمرُ إلى أبيه حُجر، فكان يأخذ من بني أسد الإتاوة، وكان طاغية جباراً، فثاروا به، وامتنعوا عن أداء الإتاوة، فسار إليهم، فأخذ سَرَواتهم (سادتهم) وأشبعهم بالعِصيِّ ضرباً، فسُمّوا عبيد العصا، ثم استباح أموالهم، وطردهم من ديارهم، فحقدوا عليه وأصابوا منه غِرّة، فقتلوه.
لم يكن امرؤ القيس في مطلع حياته يُؤخذُ بأُبَّهة الملك، وشهرة السلطة والحكم، بل شُغِفَ بالشِّعر، يصور به عواطفه وأحلامه، وبالحياة ينتهبُ لذائذها. وقد طرده أبوه، وخلعه لمجونه وتهتكه، ولتشبيبه بنساء القبيلة، وتصدِّيه لهنّ، فهام الشاعرُ على وجهه مع جماعة من الصعاليك، وكانوا إذا وجدوا ماءً، أقاموا عليه، يصطادون وينحرون ويحتسون الخمرة ويلهون.
تبدأ مأساة امرئ القيس حين اغتال بنو أسدٍ أباه، فلما علم بالأمر قال: ضيّعني أبي صغيراً، وحَمّلني دمه كبيراً، لا صحوَ اليوم ولا سكر غداً، [اليومَ خمرٌ وغداً أمر]، وحلف لا يغسل رأسه، ولا يشرب خمراً، حتى يدرك ثأره من بني أسدٍ، ويسترجعَ ملكه الضائع.
أغار امرؤ القيس على بني أسدٍ في حشدٍ عظيم من قبيلتي بكر وتغلب، فأدركهم، وعمل فيهم قتلاً ذريعاً، وأذلهم شر مذلة، وأراد الاستمرار في مطاردتهم، لكن من معه تخلى عنه، وكان المنذر بن ماء السماء اللخمي، ملك الحيرة، يخشى أن يستعيد امرؤ القيس سلطانه على بني أسد، فطارد امرأ القيس ومن معه من قبيلة كندة، ولجأ امرؤ القيس ومن معه إلى الحارث بن شهاب اليربوعي، ولكن المنذر تهدده إن لم يسلم إليه الكِنديين، فأسلمهم إليه فقتل منهم اثني عشر فتى.
تمكن امرؤ القيس من الفرار، ولجأ إلى سعد ابن الضِباب الإيادي، فأجاره. ولم يزل يتنقل مستجيراً من قوم إلى قوم والمنذر يطارده، حتى ألفى نفسه مضطراً إلى اللجوء إلى إمبراطور الروم، جوستنيان، بوساطة الحارث أمير الغساسنة، وهم أعداء المناذرة، وقبل أن يصير إليه، رهن درعه وسلاحه عند رجل يهودي اسمه السَمَوءل، كان يقيم في قصر له في بادية السماوة. ولما قدم امرؤ القيس على جوستنيان، أكرمه ونادمه، واستمدّه امرؤ القيس، فوعده ذلك، ولكن الشاعرَ توفي وهو في طريق العودة إلى دياره. ويقال إن الإمبراطور ـ لوشاية بلغته عنه ـ أهداه حلّة مسمومة لبسها فأسرع فيه السم، وتقرّح جلده، ولما صار الشاعرُ إلى أنقرة، ثقل، فأقام بها حتى مات، وقد نُسجت حول امرئ القيس وأخباره مرويّاتٌ كثيرةٌ تختلط فيها الحقيقة بالخيال، ومن المحتمل أن تكون وفاته بمرض الجدري، ومن هنا جاءه لقبُ ذي القروح.

عدّ النقاد امرأ القيس في الطبقة الأولى من فحول شعراء الجاهلية، مع النابغة الذبياني وزهير ابن أبي سلمى والأعشى. ونسب النُقادُ إلى امرئ القيس أوّلياتٍ كثيرةً، فقالوا إنه أولُ من وقف على الأطلال، وبكى، واستبكى؛ قال فيه ابن سلام الجمحي: «سبق العربَ إلى أشياءٍ ابتدعها، واستحسنتها العربُ، واتّبعته فيها الشعراءُ: استيقاف صَحبه، والتَبكاءُ في الديار، ورقّةُ النسيب، وقربُ المأخذ، وشَبّه النساء بالظِباء والبَيض، وشَبّه الخيل بالعِقبان والعِصيّ، وقيد الأوابد ـ أي وصف الخيل بشدة السرعة، حتى إن الوحوش تتوقف وكأنها مقيدة والأوابد: الوحش ـ وأجاد في التشبيه، وفصل بين النسيب وبين المعنى. وكان أحسن طبقته تشبيهاً»، وقد برع في الوصف، وابتكر الكثير من الصور الفنية.
وشعره في الطبيعة صورة صادقة لشجاعته وتشرده وتقلبه من مكان إلى آخر، فهو يصحب الوحوش في الفلوات، أو ينصرف إلى الصيد على ظهر جواد أسطوري، لا مثيل له في عالم الخيول، لحيويته الفائقة، وحركته المذهلة، التي يسيطر بها على العالم الخارجي، فيحجر الوحوش في جحورها، ويسدّ عليها منافذ الهرب.
وقد وصف الشاعرُ الطبيعة الحيّة، كالفرس، والناقة، والثور الوحشي، والظليم (ذكر النعام)، وصور الطبيعة الصامتة، كالرياح، والغيوم، وقسوة الصحراء، وحديثُه مع الليل يكشف خبايا نفسه المترعةِ بالهموم؛ ومن صوره الرائعة في معلقته قوله يصف الليل وقد أسبغ عليه حالته النفسية:
وليل كموج البحر أرخى سدوله
علي بأنواع الهموم ليبتلي
فقلت له لما تمطى بصلبه
وأردف أعجازاً وناء بكلكل
ألا أيها الليل الطويل ألا انجل
بصبح وما الإصباح منك بأمثل
وقوام الصورة عند امرئ القيس، حبُّهُ للطبيعة، فمنها الموادُّ، والألوان، والصدق، فلا مبالغةٌ ولا تصنُّعٌ في الألفاظ، والمعاني، يسوقها في عفوية، وإيجاز، ودقة. وكان شعره سجلاً لأحداث حياته المضطربة، التي امتزج فيها اللهو بمرارة العيش، وتقلب الناس والأيام. وهذا الشعر يصور نزعة الشاعر الملكية، بما فيها من ترف الأمراء، كاصطحاب الطهاة في الصيد، وذكر الطيوب، وما يشبه ذلك. وللشاعر ديوانٌ محقّق مطبوع في مصر. وقد أقيمت حول هذا الشاعر وشعره دراسات كثيرة متنوعة في القديم والحديث، وأُلفت كتب مقصورة عليه.
 
 
وفيما يلي مقتطفات مختارة من أشهر معلقاته: 
ألا عم صباحاً
ألا عِمْ صَبَاحاً أيّهَا الطّلَلُ البَالي
وَهل يَعِمنْ مَن كان في العُصُرِ الخالي
وَهَل يَعِمَنْ إلا سَعِيدٌ مُخَلَّدٌ
 قليل الهموم ما يَبيتُ بأوجالِ
وَهَل يَعِمَنْ مَن كان أحدثُ عَهدِه
 ثَلاثِينَ شهراً في ثَلاثَة ِ أحوَالِ
دِيارٌ لسَلمَى عَافِيَاتٌ بذِي خَالِ
 ألَحّ عَلَيها كُلُّ أسْحَمَ هَطّالِ
وتحسبُ سلمى لا تزالُ ترى طَلا
 من الوَحشِ أوْ بَيضاً بمَيثاءِ مِحْلالِ
وتحسِبُ سلمى لا نزالُ كعهدنا
 بوَادي الخُزَامى أوْ على رَسّ أوْعالِ
لَيَاليَ سَلَمى إذْ تُرِيكَ مُنْصَّباً
 وجيداً كجيد الرئم ليس بمعطال
ألا زعمت بسبابة ُ اليوم أنني
 كبرت وأن لا يحسنُ اللهو أمثالي
كَذَبتِ لَقَد أَصبى عَلى المَرءِ عِرسُهُ
 وَأَمنَعُ عِرسي أَن يُزَنَّ بِها الخالي
وَيَا رُبّ يَوْمٍ قَد لهَوْتُ وَلَيْلَةٍ
 بِآنِسَة ٍ كَأنّهَا خَطُّ تِمْثَالِ
 
خليلي مرا بي
خليلّي مرّا بي على أم جندب
 نُقَضِّ لُبَانَاتِ الفُؤادِ المُعذَّبِ
فَإنّكُمَا إنْ تَنْظُرَانيَ سَاعَة ً
 من الدهرِ تَنفعْني لَدى أُمِّ جُندَبِ
ألم ترياني كلما جئتُ طارقاً
 يُفَدّونَهُ بالأمّهَاتِ وبَالأبِ
عَقيلَة ُ أتْرَابٍ لهِا، لا دَمِيمَة
 وَلا ذَاتُ خَلقٍ إن تأمّلتَ جَأنّبِ
ألا ليتَ شعري كيف حادث وصلها
 وكيْفَ تُرَاعي وُصْلَة َ المُتَغَيِّبِ
أقَامَتْ على مَا بَيْنَنَا مِنْ مَوَدّةٍ
 أميمة أم صارت لقول المخببِ
فإن تنأ عنها لا تُلاقِها
 فإنكَ مما أحدثت بالمجربِ
 
سما لك الشوق
سما لكَ شوقٌ بعدما كان أقصرا
 وحلتْ سليمي بطن قو فعرعرا
كِنَانِيّة ٌ بَانَتْ وَفي الصَّدرِ وُدُّهَا
 وَرِيحَ سَناً في حُقّة حِمْيَرِيّة ٍ
بعَيْنيَّ ظَعْنُ الحَيّ لمّا تَحَمّلُوا
 لدى جانبِ الأفلاجِ من جنبِ تيمُرَا
فشَبّهتُهُم في الآل لمّا تَكَمّشُوا
 حدائق دوم أو سفيناً مقيرا
أوِ المُكْرَاعاتِ من نَخيلِ ابنِ يامِنٍ
 دوينَ الصفا اللائي يلينَ المشقرا
سوامقَ جبار أثيثٍ فروعه
 وعالين قنواناً من البسر أحمرا
حمتهُ بنوا الربداء من آل يامن
 بأسيافهم حتى أقر وأوقرا
وأرضى بني الربداءِ واعتمَّ زهوهُ
 وأكمامُهُ حتى إذا ما تهصرا
أطَافَتْ بهِ جَيْلانُ عِنْدَ قِطَاعِهِ
 تَرَدّدُ فيهِ العَينُ حَتى تَحَيّرَا
 
أجارتنا
أجارتنا إن المزار قريب
 وإني مقيم ما أقام عسيب
أجارتنا انا غريبان هاهنا
 وكل غريب للغريب نسيب
فأن تصلينا فالقرابة بيننا
 وان تصرمينا فالغريب غريب
أجارتنا ما فات ليس يؤؤب
 وما هو آت في الزمان قريب
وليس غريبا من تناءت دياره
 ولكن من وارى التراب غريب 
 
وهناك أيضاُ من معلقاته:
أرانا مُوضَعين لأمر غيب
أماويَّ هل لي عندكم من مُعرَّس
ألما على الربع القديم بعسعسا
لعمركَ ما قلبي إلى أهلهِ بِحُرِّ
لمن الديار غشيتها بسحام
يا دار ماوية بالحائل
رب رام من بني ثعلٍ
ألا قبح البراجم كلها
إن بني عوف ابتنوا حسبا
ألا إلا تكن إبل فمعزى
ألا لهف هندٍ
كأني إذ نزلتُ على المعلى
لنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره
أبَعدَ الحارث الملك بن عمرو
ديمة هطلاءُ فيها وطفٌ
أحار عمرو كأني خمر
ألا أنعم صباحاً أيها الربعُ وانطقِ
أمن ذكر سلمى إن نأتكً تنوصُ
حي الحمول بجانب العزلِ
جزعتُ ولم أجزع من السن مجزعا