وكتبت الاديبة نجلاء حسون تحت عنوان " مقال يستحق القراءة والتامل" ...
"العقيدة شأن خاص بين الانسان وربّه "
مائدةٌ مستديرة للنقاش حول الأديان والأخلاق جمعت مجموعة من رجال الدين من عقائدَ وأديان ومذاهبَ شتّى، وكان من بين المناقشين عالمٌ فى اللاهوت المسيحي من أمريكا اللاتينية، وحكيم التبت «تنزين جياتسو»، القائد الروحى الأعلى الحالي لبوذية التبت، المُلقّب بـ ( دلاي لاما )
بعد انتهاء النقاش، وجّه رجلُ الدين المسيحي سؤالاً للدلاي لاما:-
" يا سماحة الدلاي لاما، ما أفضلُ الأديان من وجهة نظرك" ... ؟!!
كان السائل يظنُّ أن الدلاي لاما سيقول: "بوذية التِّبت هي الأفضل"، أو على الأقل "الديانات الشرقية التي سبقت المسيحية بقرون بعيدة"، لكن الدلاي لاما ابتسم ثم قال بهدوء:-
" العقيدةُ الأفضلُ هى تلك التى تجعلك شخصًا أفضل. وتجعلك أقرب إلى صورة الله على الأرض."
ألحّ رجلُ الدين المسيحي فى السؤال، قائلا:
" وما هى تلك العقيدة التى تجعل الإنسانَ شخصًا أفضل " ... ؟!!
فأجاب الدلاي لاما:-
" *هي العقيدةُ التى تجعلك أكثرَ رحمةً، أكثرَ إدراكًا، أكثر حساسيةً، أقلّ تحيّزًا، أقلّ عنصريةً، أكثرَ حبًّا، أنظفَ لسانًا، أكثر إنسانيةً، أكثر مسؤوليةً، وذا أخلاق عالية. الدينُ الذى يجعلك كل ما سبق، هو الدينُ الأفضل* ."
صمتَ رجلُ الدين مأخوذًا بالإجابة الحكيمة، التى لا يُمكن مجادلتها. لكن دلاي لاما أكمل قائلا:
" *لستُ مهتمًّا يا صديقي بعقيدتك أو دينك أو مذهبك. أو إذا ما كنتَ متديّنًا أم لا. الذى يعنيني حقًّا هو سلوكك أمام نفسك، ثم أمام نظرائك، ثمّ أمام أسرتك، ثمّ أمام مجتمعك، ثم أمام العالم. لأن جماع كل ما سبق سيشكّل كيانك وصورتك أمام الله. تذكّر أن الكونَ هو صدى أفعالنا وصدى أفكارنا. وأن قانونَ الفعل وردّ الفعل لا يخصُّ عالم الفيزياء وحسب، بل هو أيضًا قانونٌ يحكم علاقاتنا الإنسانية. إذا ما امتثلتُ للخير سأحصدُ الخيرَ، وإذا ما امتثلتُ للشرّ، فلن أحصد إلا الشرَّ. علّمنا أجدادُنا الحقيقة الصافية التي تقول*:-
*سوف تجني دائمًا ما تتمناه للآخرين. فالسعادةُ ليست رهن القدَر والقسمة والنصيب، بل هى اختيارٌ وقرار". ثم ختم كلامه قائلا* :-
" *انتبه جيدًّا لأفكارك، لأنها سوف تتحول إلى كلمات. وانتبه إلى كلماتك، لأنها سوف تتحول إلى أفعال. وانتبه إلى أفعالك، لأنها سوف تتحول إلى عادات. وانتبه إلى عاداتك، لأنها سوف تُكوّن شخصيتك، وانتبه جيدًّا إلى شخصيتك، لأنها سوف تصنع قَدَرك، وقَدرُك سوف يصنع حياتك كلّها* "
يبدو ان ما يريد قوله الدلاي لاما بكل بساطة هو أن الدين وسيلة، وليس غاية. الغايةُ العليا هى «الصلاح». والدينُ هو أحد السبل للوصول إلى الصلاح. .
فإن قضى الإنسانُ عمرَه كلَّه فى مسجد أو كنيسة أو هيكل أو معبد، يُصلّى ويصوم ويتعبّد، ولم يصنع منه كلُّ ذلك إنسانًا صالحًا رحيمًا متحضرًا عفَّ اللسان، فما جدوى ركوعه وسجوده وجوعه وعطشه، واللهُ تعالى غنيٌّ عن صلاتنا وذكرنا وقرابيننا ... ؟!!
إنما خلقنا اللهُ لكى نصنع نموذجًا متحضرًا للكائن المسؤول الذى يختار الخير وهو قادرٌ على الشر، ويختار الرحمة وهو قادرٌ على القسوة، ويختارُ العدل بدلاً من الظلم. لهذا كلّفنا الله وجعلنا ورثة الأرض القادرين على الاختيار والقرار ..
ذاك هو الدرسُ الذى نحتاجُ أن نتعلّمه:-
العقيدةُ شأنٌ خاصٌّ بين الإنسان وربّه، أما الشأنُ العام، فهو التعامل الطيّب بين الناس. الإنسانُ النظيف القلب، العادلُ، المتحضّر، وغير المتحيّز هو السفيرُ الأجملُ لعقيدته.
ملاحظة،
المقال لتوصيل فكرة عامة عن علاقة المعبود والخالق.
وكتب د. غازي المرايات النقابي والناشط الوطني، ....... في ذكرى مرور ٤٨ سنة على رحيل تيسير سبول.. كمقدمة لمقال مكتوب، يقول
تيسير سبول.. الطَّفِيلي الذي أتعبنا
نعم.. اتعبنا...
ومن مثل تيسير سبول يمكن ان يتعبنا، ذاك الأردني الجنوبي الذي ولد في الطفيلة سنة 1939 وانهى حياته برصاصة في الرأس في الخامس عشر من شهر تشرين ثاني سنة 1973، بعد مرض وحيرة وتردد ورفض للواقع.
كذا كان سبول منذ بواكيره، يشتد الحزن به حتى يفيض، ولا يجد غير ما يجده المبدع عادة في اللغة والكلام، حتى إذا ما ضاقت اللغة عليه، واحكم الزمان قبضته على تفاصيل حياته آثر "أبو عتبه" النهايات المفجعة، فاختار الإنتحار على الإستمرار في حياة بدت عليه أضيق من ان يحتملها.
حتى اليوم لا يبدو هذا الطفيلي الجنوبي يستكين للنسيان، ثمة حضور يدفع به دفعا كلما حلت ذكراه، وكلما لاح برق جنوبي فلا بد وأن يحمل منه عبقا، أو بضع رائحة، او تذكار كلام..
ولا يبدو نتاج تيسير سبول الأدبي "شعرا وقصة" بالنتاج الضخم الكبير الذي يمكن ان يشكل حصادا كبيرا للغوص فيه تفكيكا وبناءا، إلا ان ما منح سبول كل هذا الحضور هو مصداقيته المطلقة، وتماهيه المفتوح بين كونه اديبا وبين كونه إنسانا، فقد زاوج سبول بين ما كتبه وما عاشه، وهذه الخاصية إن توافرت في كاتب فعليك تصديقه واتباعه إلى آخر مدى يذهب بك اليه.
إن السر في إستمرار تيسير سبول بيننا هو كونه لم يتزور، ولم يعش بوجهين، ولم يمارس حياته الطبيعية البسيطة وكأنه يعيشها في دور تمثيلي على مسرح أمام المتفرجين، بل على خلاف ذلك كله ظل تيسير سبول وفيا تماما ليومه المعاشي البسيط ولمواقفه السياسية والوطنية والثقافية والفكرية، ولذلك ظل حيا بوجه واحد، وبهوية واحدة، لم يكذب ولم يعش حالة الإنفصام الثقافي والحياتي التي يصاب فيها بعض مثقفينا هذا الأوان.
ذهب تيسير سبول الى بيروت ملتحقا بالجانعة الأمريكية إلا ان جو الجامعة وتفاصيلها لم ترق له، فتركها الى جامعة دمشق ليتخصص في دراسة القانون ويتخرج منها، بدا وكأنه ينحو نحو أبناء جيله بدراسة القانون في جامعة دمشق لأنها الطريقة الأسهل لتأمين وظيفة حكومية حين عودته. الى عمان.
لم يبني تيسير سبول أية علاقة ايجابية مع هزيمة 1967 بدا من اكثر المثقفين الأردنيين تأثرا بتلك الهزيمة الفاجعة، حاول هضم نتائجها، وحاول التوافق مع ما تلتها من أيام وسنوات، ولم يستطع" هزيمة.. ليست هزيمة بل شيء آخر"، كذا قال عربي في "أنت منذ اليوم"، وظل سبول يعيش في قلب تداعيات حرب حزيران، وظل خلالها يخسر امنه النفسي وامنه الصحي، حتى إذا ما تكشفت حرب تشرين اكتوبر سنة 1973 عما تكشفت عنه وجلوس المصريين مع الإسرائيلين في خيمة الكيلو 101 حتى كان تيسير سبول قد وصل الى حد الإشباع من كل ما كان يغرق فيه، فانهى حياته وكأن "عربي" بطل روايته "أنت منذ اليوم" لا يزال يسأل" شعب نحن ام حشية قش؟؟" ويغرق في البكاء، بينما آثر سبول الخروج من حالة " عربي" ووضع نهاية لكل تلك العذابات..
هذه العجالة لإستذكار هذا الطفيلي الذي اتعبنا حبا وفقدا فقط، ولا أريد التأشير إلى واجب رابطة الكتاب الأردنيين في استذكار الرجل، ولا وزارة الثقافة ولا تذكير أنفسنا، فقصة الراحل تيسير سبول هذا الأردني المبدع لم تفتح على مصراعيها بعد بالرغم من مرور 44 سنة على رحيله..